كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

وبيانها أن السيد إذا قال لعبده من دخل اليوم داري فأعطه درهما أو رغيفا فأعطى كل داخل لم يكن للسيد أن يعترض عليه فإن عاتبه في إعطائه واحدا من الداخلين مثلا وقال لم أعطيت هذا من جملتهم وهو قصير وإنما أردت الطوال أو هو أسود وإنما أردت البيض فللعبد أن يقول ما أمرتني بإعطاء الطوال ولا البيض بل بإعطاء من دخل وهذا داخل فالعقلاء إذا سمعوا هذا الكلام في اللغات كلها أو إعتراض السيد ساقطا وعذر العبد متوجها وقالوا للسيد أنت أمرته بإعطاء من دخل وهذا قد دخل ولو أنه أعطى الجميع إلا واحدا فعاتبه السيد وقال لم لم تعطه فقال العبد لأن هذا طويل أو أبيض وكان لفظك عاما فقلت لعلك أردت القصار أو السود استوجب التأديب بهذا الكلام وقيل له مالك وللنظر إلى الطول واللون وقد أمرت بإعطاء الداخل فهذا معنى سقوط الاعتراض عن المطيع وتوجهه على العاصي
وأما النقض على الخبر: فإذا قال ما رأيت اليوم أحدا وكان قد رأى جماعة كان كلامه خلفا منقوضا وكذبا فإن أردت أحدا غير تلك الجماعة كان مستنكرا وهذه كصيغ الجميع فإن النكرة في النفي تعم عند القائلين بالعموم ولذلك قال الله تعالى {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ} ]الأنعام: من الآية91[وإنما أورد هذا نقضا على كلامهم فإن لم يكن عاما فلم ورد النقض عليهم ؟ فإن هم أرادوا غير موسى فلم لزم دخول موسى تحت اسم البشر ؟
وأما الاستحلال بالعموم :فإذا قال الرجل أعتقت عبيدي وإمائي ومات عقيبه جاز لمن سمعه أن يزوج من أي عبيده شاء ويتزوج من أي جواريه شاء بغير رضا الورثة وإذا قال العبيد الذين هم في يدي ملك فلان كان ذلك إقرارا محكوما به في الجميع وبناء الأحكام على أمثال هذه العمومات في سائر اللغات لا ينحصر ولا خلاف في أنه لو قال أنفق على عبدي غانم أو على زوجتي

الصفحة 122