كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

مستغرق
هل يبقى العموم حجة في الباقي بعد التخصيص ؟
وأما النظر الثاني في كونه حجة في الباقي فقد قال قوم من القائلين بالعموم إنه لا يبقى حجة بل صار مجملا وإليه ذهبت القدرية لأنه إذا لم يترك على الوضع فلا يبقى للفهم معتمد سوى القرينة وتلك القرينة غير معينة فلا يهتدي إليها
ومن هؤلاء من قال :أقل الجمع يبقى لأنه مستيقن.
واحتج القائلون بكونه مجملا بأن السارق إذا خرج منه سارق ما دون النصاب والسارق من غير الحرز ومن يستحق النفقة وغير ذلك فبم يفهم المراد منه على سبيل الحصر وقد خرج الوضع من أيدينا ؟ ولا قرينة تفصل وتحصر فيبقى مجملا
والصحيح أنه يبقى حجه إلا إذا استثنى منه مجهولا كما لو قال اقتلوا المشركين إلا رجلا أما إذا استخرج منه معلوم فإنه يبقى دليلا في الباقي
ولأجله تمسك الصحابة بالعمومات وما من عموم إلا وقد تطرق إليه التخصيص وهذا لأن لفظ السارق يتناول كل سارق بالوضع لولا دليل مخصوص والدليل المخصوص صرف دلالته عن البعض ولا مسقط لدلالته في الباقي نعم لا يدل اللفظ على إخراج ما خرج فافتقر إلى دليل مخرج وقصوره عنه لا يدل على قصوره عن تناول الباقي فمن قال أعتق رقبة ثم قال لا تعتق معيبة ولا كافرة لم يخرج به كلامه الأول عن كونه مفهوما والرجوع في هذا إلى عادة اللسان وأهل اللغة وعادات الصحابة إذ لم يطرحوا جميع عمومات الكتاب والسنة لتطرق التخصيص إليها
وعلى الجملة كلام الواقفية في العموم المخصص أظهر لا محالة

الصفحة 128