كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

للجواب كما لو قال السائل توضأت بماء البحر فقال يجزيك أو قال وطئت في نهار رمضان فقال "أعتق رقبة" فهذا لا عموم له لأنه خطاب مع شخص واحد وإنما يثبت الحكم في حق غيره بدليل مستأنف من قياس إذا ورد التعبد بالقياس أو تعلق بقوله عليه السلام حكمي على الواحد حكمي على الجماعة وذلك بشرط أن يكون حال غيره مثل حاله في كل وصف مؤثر في الحكم حتى لا يفترقا إلا في الشخص والأحوال التي لا مدخل لها في التفرقة من الطول واللون وأمثاله
والذكورة والأنوثة كالطول واللون في بعض الأحكام كالعتق ولذلك قلنا: حكمه في العبد بالسراية حكم في الأمة وفي باب ولاية النكاح ليس كذلك إذ عرف من الشرع ترك الالتفات إلى الذكورة والأنوثة في العتق والرق ولم يعرف ذلك في النكاح ولذلك نقول روي في الصحيح أن أبا بكر رضي الله عنه أم بالناس في مرض النبي صلى الله عليه وسلم فخرج صلى الله عليه وسلم وهو في أثناء الصلاة فهم بأن يتخلف فأشار عليه بالمنع ووقف بجانبه واقتدى أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم واستمر الناس على الاقتداء بأبي بكر رضي الله عنه وصلى الناس بصلاة أبي بكر وصلى أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه اقتداء الإمام بغيره واقتداء الناس بالمقتدى بغيره وليس يظهر لنا أن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى النبي صلى الله عليه وسلم فإن التقدم عليه مع حضوره مستبعد فيما يرجع إلى الإمام وللنبوة فيها تأثير وهذا فعل خاص لا عموم له ودعوى الإلحاق تحكم مع ظهور الفرق ولا عموم يتعلق به بل قوله لعبد الرحمن بن عوف البس الحرير ولأبي بردة بن نيار في الأضحية بجذعة من الضان تجزيك وإذنه للعرنيين بشرب أبوال الإبل وقوله لعمر مره فليراجعها إلا عموم لشيء منه فيفتقر تعميمه إلى دليل متسأنف من قياس أو غيره أما ما نقل من اقتداء الناس بأبي بكر مع اقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن مقتدي الكل كان بالنبي عليه السلام

الصفحة 130