كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

خاصا ودليل العقل يجوز أن يبين لنا أن الله تعالى ما أراد بقوله {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ]الأنعام: من الآية102[نفسه وذاته فإنه وإن تقدم دليل العقل فهو موجود أيضا عند نزول اللفظ وإنما يسمى مخصصا بعد نزول الآية لا قبله
وأما قولهم: لا يجوز دخوله تحت اللفظ فليس كذلك بل يدخل تحت اللفظ من حيث اللسان ولكن يكون قائله كاذبا ولما وجب الصدق في كلام الله تعالى تبين أنه يمتنع دخوله تحت الإرادة مع شمول اللفظ له من حيث الوضع
الثالث : دليل الإجماع ويخصص به العام لأن الإجماع قاطع لا يمكن الخطأ فيه والعام يتطرق إليه الاحتمال ولا تقضي الأمة في بعض مسميات العموم بخلاف موجب العموم إلا عن قاطع بلغهم في نسخ اللفظ الذي كان قد أريد به العموم أو في عدم دخوله تحت الإرادة عند ذكر العموم والإجماع أقوى من النص الخاص لأن النص الخاص محتمل نسخه والإجماع لا ينسخ فإنه إنما ينعقد بعد انقطاع الوحي
الرابع :النص الخاص يخصص اللفظ العام فقوله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء العشر يعم ما دون النصاب وقد خصصه قوله عليه السلام لا زكاة فيما دون خمسة أوسق وقوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } ]المائدة: من الآية38 [يعم كل مال وخرج ما دون النصاب بقوله صلى الله عليه وسلم "لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا" وقوله { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ]القصص: من الآية3[ يعم الكافرة فلو ورد مرة أخرى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ]النساء: من الآية92[في الظهار بعينة لتبين لنا أن المراد بالرقبة المطلبة العامة هي المؤمنة على الخصوص
وقد ذهب قوم إلى أن الخاص والعام يتعارضان ويتدافعان فيجوز أن يكون الخاص سابقا وقد ورد العام بعده لأرادة العموم فنسخ الخاص ويجوز أن يكون العام سابقا وقد أريد به العموم ثم نسخ باللفظ الخاص بعده فعموم الرقبة مثلا يقتضي أجزاء الكافرة مهما أريد به العموم والتقييد بالمؤمنة يقتضي منع أجزاء الكافرة فهما متعارضان وإذا أمكن النسخ والبيان جميعا فلم يتحكم بحمله على البيان دون النسخ ولم يقطع بالحكم على العام بالخاص ولعل العام هو المتأخر الذي أريد به العموم وينسخ به الخاص وهذا هو الذي اختاره القاضي

الصفحة 154