كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

وتعليل ذلك بما يدهش العقل عن تمام الفكر حتى يجري في الجائع والحاقن خفي
والمختار: أن ما ذكروه غير بعيد فإن العموم يفيد ظنا والقياس يفيد ظنا وقد يكون أحدهما أقوى في نفس المجتهد فيلزمه اتباع الأقوى والعموم تارة يضعف بأن لا يظهر منه قصد التعميم ويظهر ذلك بأن يكثر المخرج منه ويتطرق إليه تخصيصات كثيرة كقوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ]البقرة: من الآية275[فإن دلالة قوله عليه السلام " لا تبيعوا البر بالبر " على تحريم الأرز والتمر أظهر من دلالة هذا العموم على تحليله وقد دل الكتاب على تحريم الخمر وخصص به قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} ]الأنعام: من الآية145[وإذا ظهر منه التعليل بالإسكار فلو لو يرد خبر في تحريم كل مسكر لكان إلحاق النبيذ بالخمر بقياس الإسكار أغلب على الظن من بقائه تحت عموم قوله { لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} وهذا ظاهر في هذه الآية وآية احلال البيع لكثرة ما أخرج منهما ولضعف قصد العموم فيهما ولذلك جوزه عيسى بن أبان في أمثاله دون ما بقي على العموم
ولكن لا يبعد ذلك عندنا أيضا فيما بقي عاما لأنا لا نشك في أن العمومات بالإضافة إلى بعض المسميات تختلف في القوة لاختلافها في ظهور إرادة قصد ذلك المسمى بها فإن تقابلا وجب تقديم أقوى العمومين
وكذلك أقوى القياسين إذا تقابلا قدمنا أجلاهما وأقواهما
فكذلك العموم والقياس إذا تقابلا فلا يبعد أن يكون قياس قوي أغلب على الظن من عموم ضعيف أو عموم قوي أغلب على الظن من قياس ضعيف فنقدم الأقوى

الصفحة 166