فإن قيل :هل يجوز أن يتعارض عمومان ويخلوا عن دليل الترجيح ؟
قلنا:قال قوم لا يجوز ذلك لأنه يؤدي إلى التهمة ووقوع الشبهة لتناقض الكلامين وهو منفر عن الطاعة والإتباع والتصديق
وهذا فاسد بل ذلك جائز ويكون ذلك مبينا لأهل العصر الأول وإنما خفي علينا لطول المدة واندراس القرائن والأدلة ويكون ذلك محنة وتكليفا علينا لنطلب الدليل من وجه آخر من ترجيح أو نتخير ولا تكليف في حقنا إلا بما بلغنا فليس فيه محال
وأما ما ذكروه من التنفير والتهمة فباطل فإن ذلك قد نفر طائفة من الكفار في ورود النسخ حتى قال تعالى وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر النحل الآية ثم ذلك لم يدل على استحالة النسخ
الفصل الثاني في جواز إسماع العموم من لم يسمع الخصوص
وقد اختلفوا في جوازه فقيل :لا يجوز ذلك لأن فيه الباسا وتجهيلا
ونحن نقول: يجب على الشارع أن يذكر دليل الخصوص إما مقترنا وإما متراخيا على ما ذكرناه من تأخير البيان
وليس من ضرورة كل مجتهد بلغه العموم أن يبلغه دليل الخصوص بل يجوز أن يغفل عنه ويكون حكم الله عليه والعمل بالعموم وهذا القدر الذي بلغه لا يكلف ما لم يبلغه
ودليل جوازه وقوعه بالإجماع فإن من الأدلة المخصصة ما هي عقلية غامضة عجز عنها الأكثرون إلا الراسخون في العلم وغلطوا فيها فالألفاظ المتشابهة في