كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

وأن تكون معلومة والقدرة الأزلية ليست قاصرة عن اضطرار الملك والنبي إلى العلم بذلك ولا متكلم إلا وهو محتاج إلى نصب علامة لتعريف ما في ضميره إلا الله تعالى فإنه قادر على اختراع علم ضروري به من غير نصب علامة
وكما أن كلامه ليس من جنس كلام البشر فسمعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سمع الأصوات ولذلك يعسر علينا تفهم كيفية سماع موسى كلام الله تعالى الذي ليس بحرف ولا صوت كما يعسر على الأكمة تفهم كيفية إدراك البصير للألوان والأشكال
أما سماع النبي من الملك فيحتمل أن يكون بحرف وصوت دال على معنى كلام الله فيكون المسموع الأصوات الحادثة التي هي فعل الملك دون نفس الكلام ولا يكون هذا إسماعا لكلام الله بغير واسطة وإن كان يطلق عليه اسم سماع كلام الله تعالى كما يقال فلان سمع شعر المتنبي وكلامه وإن سمعه من غيره وسمع صوت غيره وكما قال تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ } [ التوبة: من الآية6]
وكذلك سماع الأمة من الرسول صلى الله عليه وسلم كسماع الرسول من الملك ويكون طريق فهم المراد تقدم المعرفة بوضع اللغة التي بها المخاطبة
ثم إن كان نصا لا يحتمل كفى معرفة اللغة
وإن تطرق إليه الاحتمال فلا يعرف المراد منه حقيقة إلا بانضمام قرينة إلى اللفظ والقرينة إما لفظ مكشوف كقوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ

الصفحة 22