كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

يتصور إلا بموجب الوضع فأما الشرعي فلا
ومثال هذه المسألة قوله صلى الله عليه وسلم حيث لم يقدم إليه غداء إني إذا أصوم فإنه إن حمل على الصوم الشرعي دل على جواز النية نهارا وإن حمل على الإمساك لم يدل وقوله صلى الله عليه وسلم "لا تصوموا يوم النحر" إن حمل على الإمساك الشرعي دل على انعقاده إذ لولا إمكانه لما قيل له لا تفعل إذ لا يقال للأعمى لا تبصر وإن حمل على الصوم الحسي لم ينشأ منه دليل على الانعقاد
وقد قال الشافعي: لو حلف أن لا يبيع الخمر لا يحنث ببيعه لأن البيع الشرعي لا يتصور فيه وقال المزني يحنث لأن القرينة تدل على أنه أراد البيع اللغوي
والمختار عندنا: أن ما ورد في الأثبات والأمر فهو للمعنى الشرعي وما ورد في النهي كقوله دعي الصلاة فهو مجمل
مسألة : تعارض الحقيقة والمجاز أيهما يقدم ؟ :
إذا دار اللفظ بين الحقيقة والمجاز فاللفظ للحقيقة إلى أن يدل الدليل أنه أراد المجاز ولا يكون مجملا كقوله رأيت اليوم حمارا واستقبلني في الطريق أسد فلا يحمل على البليد والشجاع إلا بقرينة زائدة فإن لم تظهر فاللفظ للبهيمة والسبع ولو جعلنا كل لفظ أمكن أن يتجوز به مجملا تعذرت الاستفادة من أكثر الألفاظ فإن المجاز إنما يصار إليه لعارض وهذا في مجاز لم يغلب بالعرف بحيث صار الوضع كالمتروك مثل الغائط والعذرة فإنه لو قال رأيت اليوم عذرة أو غائطا لم يفهم منه المطمئن من

الصفحة 35