كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

قلنا النبي عليه السلام لا يؤخر البيان إلا إذا جوز له التأخير أو أوجب وعين له وقت البيان وعرف أنه يبقى إلى ذلك الوقت فإن اخترم قبل البيان بسبب من الأسباب فيبقى العبد مكلفا بالعموم عند من يرى العموم ظاهرا ولا يلزمه حكم ما لم يبلغه كما لو اخترم قبل النسخ لما أمر بنسخه فإنه يبقى مكلفا به دائما فإن أحالوا اخترامه قبل تبليغ النسخ فيما أنزل عليه النسخ فيه فيستحيل أيضا اخترامه قبل بيان الخصوص فيما أريد به الخصوص ولا فرق
مسألة هل يجوز منع التدرج في البيان ؟
ذهب بعض المجوزين لتأخير البيان في العموم إلى منع التدريج في البيان فقالوا إذا ذكر إخراج شيء من العموم فينبغي أن يذكر جميع ما يخرج وإلا أوهم ذلك استعمال العموم في الباقي
وهذا أيضا غلط بل من توهم ذلك فهو المخطىء فإنه كما كان يجوز الخصوص فإنه ينبغي أن يبقى مجوزا له في الباقي وإن أخرج البعض إذ ليس في إخراج البعض تصريح بحسم سبيل لشيء آخر كيف وقد نزل قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } ]آل عمران: من الآية97[ فسئل النبي عليه السلام عن الاستطاعة فقال الزاد والراحلة ولم يتعرض لأمن الطريق والسلامة وطلب الخفارة وذلك يجوز أن يتبين بدليل آخر بعده وقال تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ]المائدة: من الآية38[ثم ذكر النصاب بعده ثم ذكر الحرز بعد ذلك وكذلك كان يخرج شيئا شيئا من العموم على قدر وقوع الوقائع وكذلك يخرج من قوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ]التوبة: من الآية5[أهل الذمة مرة والعسيف مرة والمرأة مرة أخرى وكذلك على

الصفحة 46