فيه فعند ذلك اعترف
الحزب الثالث من محققي المعتزلة أنه ليس أمر الصيغة وذاته ولا لكونه مجردا عن القرائن مع الصيغة بل يصير أمرا بثلاث إرادات إرادة المأمور به وإرادة إحداث الصيغة وإرادة الدلالة بالصيغة على الأمر دون الإباحة والتهديد
وقال بعضهم: تكفي إرادة واحدة وهي إرادة المأمور
وهذا فاسد من أوجه:
الأول أنه يلزم أن يكون قوله تعالى {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} ]الحجر:46[وقوله {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} ]الحاقة:24[أمرا لأهل الجنة ولا يمكن تحقيق الأمر إلا بوعد ووعيد فتكون الدار الآخرة دار تكليف ومحنة وهو خلاف الاجماع
وقد ركب ابن الجبائي هذا وقال إن الله مريد دخولهم الجنة وكاره امتناعهم إذ يتعذر به إيصال الثواب إليهم وهذا ظلم والله سبحانه يكره الظلم
فإن قيل: قد وجدت إرادة الصيغة وإرادة المأمور به لكن لم توجد إرادة الدلالة به على الأمر
قلنا :وهل للأمر معنى وراء الصيغة حتى تراه الدلالة عليه أم لا فإن كان له معنى فما هو وهل له حقيقة سوى ما يقول بالنفس من اقتضاء الطاعة وإن لم يكن سوى الصيغة فلا معنى لاعتبار هذه الإرادة الثالثة
الوجه الثاني : أنه يلزمهم أن يكون القائل لنفسه إفعل مع إرادة الفعل من نفسه آمرا لنفسه وهو محال بالاتفاق فإن الأمر هو المقتضى وأمره لنفسه لا يكون مقتضيا للفعل بل المقتضي دواعيه وأغراضه ولهذا لو قال لنفسه إفعل وسكت وجد هاهنا إرادة الصيغة وإرادة المأمور به وليس بأمر فدل أن حقيقته اقتضاء الطاعة وهو معنى قائم بالنفس من ضرورته أن يتعلق