كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

وقوله أمرتكم على أقل ما يشترك فيه الوجوب والندب وهو طلب الفعل واقتضاؤه وأن فعله خير من تركه وهذا معلوم وأما لزوم العقاب بتركه فغير معلوم فيتوقف فيه
وهذا فاسد من ثلاثة أوجه :
الأول : أن هذا استدلال والاستدلال لا مدخل له في اللغات وليس هذا نقلا عن أهل اللغة قوله إفعل للندب .
الثاني : أنه لو وجب تنزيل الألفاظ على الأقل المستيقن لوجب تنزيل هذا على الإباحة والإذن إذ قد يقال أذنت لك في كذا فافعله فهو الأقل المشترك أما حصول الثواب بفعله فليس بمعلوم كلزوم العقاب بتركه لا سيما على مذهب المعتزلة فالمباح عندهم حسن ويجوز أن يفعله الفاعل لحسنه ويأمر به وكذلك يلزم تنزيل صيغة الجمع على أقل الجمع ولم يذهبوا إليه
الثالث: وهو التحقيق :أن ما ذكروه إنما يستقيم أن لو كان الواجب ندبا وزيادة فتسقط الزيادة المشكوك فيها ويبقى الأصل .
وليس كذلك بل يدخل في حد الندب جواز تركه فهل تعلمون أن المقول فيه إفعل يجوز تركه أم لا ؟فإن لم تعلموه فقد شككتم في كونه ندبا وإن علمتموه فمن أين ذلك واللفظ لا يدل على لزوم المأثم بتركه فلا يدل على سقوط المأثم بتركه أيضا
فإن قيل: لا معنى لجواز تركه إلا أنه لا حرج عليه في فعله وذلك كان معلوما قبل ورود السمع فلا يحتاج فيه إلى تعريف السمع بخلاف لزوم المأثم

الصفحة 73