كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد (اسم الجزء: 2)

فذهب إليه، فقرأ عليه كتاب المتوكل، وقال له: يأمرك بالخروج.
فقال أبو عبد اللَّه: أنا شيخ ضعيف وأنا عليل.
فقال: اكتب بذلك إلى أمير المؤمنين. فكتب عبد اللَّه بن إسحاق بما رد عليه أبو عبد اللَّه. فورد جواب الكتاب أن أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجه عبد اللَّه ابن إسحاق برابطة وجنود، فباتت على بابنا أيامًا وليالي، حتى تهيأ أبو عبد اللَّه للخروج، فخرج أبو عبد اللَّه، وخرج صالح وعبد اللَّه، وأبي زميله، فلما صرنا نحو باب الشماسية، قال لي: ارجع فليس في أهلنا رجل، تكون أنت، فرجعت.
"ذكر المحنة" لحنبل ص 91 - 102

قال المروذي: قال لي أبو عبد اللَّه ونحن بالعسكر: ألا تعجب! كان قوتي فيما مضى أربعة أرغفة، أو نحو من أربعة أرغفة، وقد ذهبت عني شهوة الطعام فما أشتهيه، قد كنت في السجن آكل، وذاك عندي زيادة في إيماني، وهذا نقصان، أخاف أن أُفتن بالدنيا، لقد تفكرت البارحة فقلت: هذِه محنتان، امتحنت بالدين، وهذِه محنة بالدنيا.
وقال لنا أبو عبد اللَّه ونحن يوما بالعسكر: لي اليوم ثمان منذ لم آكل شيئًا ولم أشرب إلا أقل من ربع سويق، وكان يمكث ثلاثا لا يطعم وأنا معه، فإذا كان ليلة الرابعة أضع بين يديه قدر نصف ربع سويق، فربما شربه وربما ترك بعضه، فمكث نحوا من خمسة عشرة يوما أو أربعة عشر يوما لم يطعم إلا أقل من ربعين سويقا، وكان إذا ورد عليه أمر يغمه لم يفطر وواصل إلا شربة ماء.
وانتبهت ليلة -وقد كان واصل- فإذا هو قاعد، فقال: هو ذا يدار بي من الجوع، أطعمني شيئا، فجئته بأقل من رغيف، فأكل، ثم قال: لولا أني أخاف العون على نفسي ما أكلت، وكان يقوم من فراشه إلى المخرج، فكان يقعد يستريح من الضعف والجوع والوصال، حتى إن كنت لأبل الخرقة فألقيها على وجهه فيرجع إليه نفسه، حتى أوصى من الضعف من

الصفحة 504