كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد (اسم الجزء: 2)

في الحرِّ، فلما دخل عليه أكب عليه فأخذ بيده، فلم تزل يده في يده حتى قام.
ودخل عليه جماعة فيهم شيخ مخضوب، فنظر إليه، فقال: إني لأسر أن أرى الشيخ قد خضب، أو نحو هذا من الكلام.
وقال له رجل ممن دخل عليه: أعطاك اللَّه ما كنت تريده لأهل الإسلام.
فقال: استجاب اللَّه لك. وجعلوا يخصونه بالدعاء، فجعل يقول: قولوا: ولجميع المسلمين.
وربما دخل عليه الرجل الذي في قلبه منه شيء، فإذا رآه غمض عينه كالمعرض، وربما سلم عليه الرجل منهم، فلا يرد عليه.
ودخل عليه شيخ فكلمه. وقال: أذكر وقوفك بين يدي اللَّه. فشهق أبو عبد اللَّه، وسالت الدموع على خديه، فلما كان قبيل وفاته بيوم أو يومين قال: ادعوا الصبيان، بلسان ثقيل، يعني الصغار، فجعلوا ينضمون إليه وجعل يشمهم ويمسح بيده على رؤوسهم، وعينه تدمع. فقال له رجل: لا تغتم لهم يا أبا عبد اللَّه، فأشار بيده، فظننا أن معناه: أني لم أُرد هذا المعنى.
وكان يصلي قاعدًا، ويصلي وهو مضطجع، لا يكاد يفتر، ويرفع يديه في إيماء الركوع، وأدخلت الطست تحته فرأيت بوله دمًا عبيطًا ليس فيه بول، فقلت للطبيب.
فقال: هذا الرجل قد فتت الحزن والغم جوفه.
واشتدت به العلة يوم الخميس ووضأته، فقال: خلل الأصابع، فلما كانت ليلة الجمعة ثقل، فظننت أنه قد قبض، وأردنا أن نمدده، فجعل يقبض قدميه وهو موجه، وجعلنا نلقنه فنقول: لا إله إلا اللَّه، ونردد ذلك عليه، وهو يهلل، وتوجه إلى القبلة واستقبلها بقدميه، فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس حتى ملئوا السكك والشوارع، فلما كان صدر النهار قبض رحمه اللَّه، فصاح الناس، وعلت الأصوات بالبكاء، حتى كأن الدنيا

الصفحة 519