كتاب تحرير الفتاوى (اسم الجزء: 2)

ونبه شيخنا الإسنوي على أن تصريحهم بالإيجار إلى فناء الدين صريح في أن ملك المنفعة لا يمنع الحجر وإن كان ماله معها زائدًا على الدين (¬1).
واعلم: أن اقتصار "التنبيه" على بيع ماله يفهم أنه لا يؤجر أم ولده والوقف عليه، ورجحه الإمام (¬2)، والأصح: خلافه، ثم إنه لا اختصاص لهذه الأحكام بالمحجور عليه، بل هي في كل مديون.
2172 - قول "المنهاج" [ص 252]: (وإذا ادعي أنه معسرٌ أو قَسَمَ ماله بين غرمائه وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا؛ فإن لزمه الدين في معاملة مالٍ كشراءٍ أو قرضٍ .. فعليه البينة، وإلا .. فَيُصَدَّق بيمينه في الأصح) فيه أمور:
أحدها: أنه قد يدخل في المعاملة الإجارة، وليست منقولة، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الظاهر: أن الأجرة إن لزمت بسبب السكن .. فهي كالصداق، وإن حصل عقد إجارة .. فيحتمل أن يكون كذلك، ويحتمل أن يقال: لا يقبل قوله؛ لحصول اليسار بملك المنفعة، ويرجح الأول؛ بأن اليسار إنما يحصل بسبب أن يؤجر بأجرة، ومن يدعي ذلك يحتاج إلى البينة.
ثانيها: اقتصر "التنبيه" و "الحاوي" على الصورة الأولى، وهي: دعوي الإعسار، وفي الثانية إشكال؛ إذ الفرض أنه قد وجد مال وقسم .. فكيف يحتاج إلى بينة على الإعسار أو على هلاك مال المعاملة؟ ولعل المال الذي قسم هو مال المعاملة، فينبغي ألَّا يحتاج إلى البينة إلا عند نقص المال الموجود عن مال المعاملة.
ثالثها: لا يتقيد الاحتياج إلى البينة بأن يلزم الدين في معاملة، بل لو لزم في غير معاملة وعرف له مال قبل ذلك .. احتاج إلى البينة أيضًا؛ ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 101]: (فإن كان قد عُرف له مال)، و"الحاوي" بقوله [ص 308]: (إن لم بُعهد ماله).
رابعها: قوله: (فعليه البينة) لم يفصح عما تقام عليه البينة، والمتبادر إلى الفهم منه أن المراد: البينة بالإعسار في الصورة الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، وكذا صرح "التنبيه" و"الحاوي" بأن المعتبر: إقامة البينة على الإعسار (¬3)، وفي معناها: بينة تلف المال؛ فهي تغني عن بينة الإعسار، بل هي آكد؛ فإنه لا يحلف معها على أنه لا يملك غيره بلا خلاف، كما صرح به الجرجاني في "المعاياة" وعلله: بأن فيه تكذيب البينة؛ ولهذا قال في "الكفاية": إن هذه الصورة مفهومة من طريق الأولى، قال النشائي في "نكته": وفيه انظر؛ فإن بينة الإعسار
¬__________
(¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 230).
(¬2) انظر "نهاية المطلب" (6/ 407، 408).
(¬3) التنبيه (ص 101)، المنهاج (ص 308).

الصفحة 18