كتاب تحرير الفتاوى (اسم الجزء: 2)

2147 - قول "التنبيه" [ص 101]: (فإذا حجر عليه .. لم ينفذ تصرفه في المال) فيه أمور:
أحدها: أنه يتناول التصرف في الذمة، ولا منع منه؛ ولذلك قال في "الحاوي" [ص 307]: (لا في الذمة)، وهو أحسن من قول "المنهاج" [ص 250]: (فلو باع سلمًا أو اشتري في الذمة .. فالصحيح: صحته، ويثبت في ذمته) لتناوله البيع الوارد على الذمة وليس سلمًا، والقرض وإجارة الذمة، بخلاف عبارة "المنهاج"، وأيضًا: فتعبيره بالصحيح مردود؛ لأن الخلاف قولان، فينبغي أن يقول: (المشهور).
ثانيها: أن ظاهر قوله: (في المال) إرادةُ المال الحاصل، كما أشار إليه في "الكفاية"، فيخرج ما حدث بعد الحجر باصطياد ووصية ونحوهما، والأصح: تعدي الحجر إليه، وقد ذكره "المنهاج" (¬1)، لكن شرطه: أن يكون ملكه عليه مستقرًا؛ ليخرج ما لو وُهب له أبوه أو ابنه، أو أُوصي له به، فقبل الهبة وقبض، أو قبل الوصية وهو محجور عليه بالفلس .. فإنه يعتق على المفلس وليس للغرماء تعلق به، ونص الشافعي يشهد له، ولا يرد ذلك على قولط "الحاوي" [ص 307]: (حُجِرَ من تصرفٍ ماليٍّ مفوتٍ) لصدق التصرف المالي على التصرف في الحادث، ولكن يرد عليه: التدبير والوصية؛ فإنه لا حجر عليه فيهما، كما جزم به الرافعي والنووي هنا (¬2)، وقالا في (باب التدبير): إن تدبيره كإعتاقه (¬3)، ومقتضي ذلك: بطلانه، فعلى الصحة ينبغي أن يزيد "الحاوي": (في حال الحياة)، ولم يذكر "المنهاج" لذلك ضابطًا، وإنما قال: (ولو باع أو وهب أو أعتق .. فالأظهر: بطلانه)، ثم قال: (ويصح نكاحه وطلاقه وخلعه واقتصاصه وإسقاطه) (¬4) ففهم من الأمثلة منع التصرف المالي دون غيره، فعبارة "التنبيه" و"الحاوي" من جهة ذكر الضابط أحسن لولا ما ورد عليهما، ومراد "المنهاج": خلع الزوج، أما الزوجة أو الأجنبي: فلا ينفذ منهما.
واعلم: أن ظاهر كلامهم تعدي الحجر إلى الحادث ولو زاد ماله بالحادث على الديون، وهو مشكل، ويمكن حمله على ما إذا استمر على النقص اعتبارًا بالابتداء.
ثالثها: أورد على "التنبيه" أيضًا: أنه يتناول الإقرار بمال في الذمة إذا أسنده لما قبل الحجر بمعاملة أو إتلاف، أو لما بعد الحجر بإتلاف، والأصح: القبول في حق الغرماء، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، لكن قوله عطفًا على المحجور فيه: (وإقرارٍ بدينِ معاملةٍ
¬__________
(¬1) المنهاج (ص 251).
(¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 9)، و "الروضة" (4/ 130).
(¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 416)، و"الروضة" (12/ 192).
(¬4) المنهاج (ص 250).
(¬5) الحاوي (ص 307)، المنهاج (ص 251).

الصفحة 8