كتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل (اسم الجزء: 2)

وَبِصِفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كَذَلِكَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الرُّؤْيَا بِعَيْنِ الرَّأْسِ وَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَنَّهَا مُدْرَكَةٌ بِعَيْنٍ فِي الْقَلْبِ وَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْمَجَازِ فَبَاطِلٌ عَلَى خِلَافِ الْحَقِيقَةِ وَصَادِرٌ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْحَمَاقَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا) أَيْ: كِلَاهُمَا (حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (وَكَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ) إِشَارَةً إِلَى بَرَكَةِ عِلْمِهِ وَثُبُوتِ حِلْمِهِ فَلِهَذَا رَأَى تِلْكَ الرُّؤْيَةَ الْعَظِيمَةَ (قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ زَمَنَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) أَيْ: فِي زَمَانِ وُجُودِهِ (فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي فَمَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي الْمَنَامِ (فَقَدْ رَآنِي) أَيْ: حَقِيقَةً أَوْ كَأَنَّهُ رَآنِي يَقَظَةً (هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّوْمِ) النَّعْتُ وَصْفُ الشَّيْءِ بِمَا فِيهِ مِنْ حُسْنٍ، وَلَا يُقَالُ فِي الْقَبِيحِ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ مُتَكَلِّفٌ فَيَقُولُ نَعْتُ سُوءٍ، وَالْوَصْفُ يُقَالُ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَالَ) أَيِ: الرَّائِي (نَعَمْ أَنْعَتُ لَكَ رَجُلًا) وَفِي نُسْخَةٍ رَجُلٌ أَيْ: هُوَ رَجُلٌ (بَيْنَ رَجُلَيْنِ) أَيْ: كَثِيرُ اللَّحْمِ وَقَلِيلُهُ أَوِ الْبَائِنُ وَالْقَصِيرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ مَائِلٌ إِلَى الطُّولِ وَالظَّرْفُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ (جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ) أَوْ هُوَ فَاعِلُ الظَّرْفِ كَذَا حَرَّرَهُ مِيرَكُ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَرَّرَهُ وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ رَجُلًا وَكَذَا قَوْلُهُ (أَسْمَرَ إِلَى الْبَيَاضِ) أَيْ: مَائِلٌ إِلَيْهِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ كَمَا سَبَقَ أَنَّ بَيَاضَهُ مُشْرَبٌ بِهَا فَقَطْ وَضُبِطَ أَسْمَرُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ نَعْتُ رَجُلٍ أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مُقَدَّرٍ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ تَابِعٌ لِرَجُلٍ أَوْ لِكَانَ مُقَدَّرًا وَكَذَا قَوْلُهُ (أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ) أَيْ: خِلْقَةً (حَسَنَ الضَّحِكِ) أَيْ: تَبَسُّمًا (جَمِيلَ دَوَائِرِ الْوَجْهِ) أَيِ: الْحَسَنُ أَطْرَافِهِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ دَائِرَةٌ مُبَالَغَةً (قَدْ مَلَأَتْ لِحْيَتُهُ مَا بَيْنَ هَذِهِ) أَيِ: الْأُذُنِ (إِلَى هَذِهِ) أَيِ: الْأُذُنِ الْأُخْرَى إِشَارَةً إِلَى عَرْضِهَا (قَدْ مَلَأَتْ) أَيْ: لِحْيَتُهُ (نَحْرَهُ) أَيْ: عُنُقَهُ إِشَارَةً إِلَى طُولِهَا (قَالَ عَوْفٌ) أَيَّ الرَّاوِي عَنِ الرَّائِي (وَلَا أَدْرِي مَا كَانَ) أَيِ: النَّعْتُ الَّذِي كَانَ (مَعَ هَذَا النَّعْتِ) أَيِ: النَّعْتِ الْمَذْكُورِ مِمَّا ذَكَرَهُ يَزِيدُ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ ذَكَرَ نُعُوتًا أُخَرَ وَأَنَّهُ نَسِيَهَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى غَيْرِ الْمُعَانِدِ وَالْمُكَابِرِ وَلَوْ كَانَ مِنَ الْأَكَابِرِ، ثُمَّ رَأَيْتُ شَارِحًا صَرَّحَ بِهِ حَيْثُ قَالَ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ بِأَنْ قَالَ الرَّاوِي شَيْئًا آخَرَ فَنَسِيَهُ عَوْفٌ فَقَالَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلَا أَدْرِي مَا كَانَ إِلَخْ لَكِنْ أَبْعَدَ بِنَقْلِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَا بِمَعْنَى مَنْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْ: لَا أَعْلَمُ الَّذِي وَجَدَ
مِنْ صِفَاتِهِ فِي الْخَارِجِ مَعَ هَذَا النَّعْتِ هَلْ هُوَ مُطَابِقٌ لَهُ أَوْ لَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهِ مَنْ أَبْدَى فِيهِ تَرْدِيدَاتٍ لِغَيْرِهِ كُلُّهَا مُتَكَلَّفَةٌ بَلْ أَكْثَرُهَا تَهَافُتٌ انْتَهَى.
وَهُوَ يَعْنِي بِهِ كَلَامَ الْعِصَامِ وَأَنَا مَا رَأَيْتُ شَرْحَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَإِنَّمَا رَأَيْتُ قَوْلَ مِيرَكَ فِي تَحْقِيقِ الْمَرَامِ، وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ النِّظَامِ حَيْثُ قَالَ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَى هَذَا النَّعْتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولَةً أَيْ: لَا أَدْرِي الزِّيَادَةَ عَلَى هَذَا النَّعْتِ هَلْ هُوَ تَامٌّ، وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا أَسْمَعُ مِنْ يَزِيدَ مَا كَانَ زَائِدًا عَلَى هَذَا النَّعْتِ انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَوْفًا هُوَ الرَّائِي، وَهُوَ وَهْمٌ فَإِنَّهُ الرَّاوِي (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ: لِلرَّائِي (لَوْ رَأَيْتَهُ فِي الْيَقَظَةِ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْعَتَهُ فَوْقَ هَذَا قَالَ أَبُو عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُلْحَقٌ (وَيَزِيدُ الْفَارِسِيُّ هُوَ يَزِيدُ بْنُ هُرْمُزَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْمِيمِ مَمْنُوعًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ بَعْضٌ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، وَالصَّحِيحُ

الصفحة 235