كتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل (اسم الجزء: 2)

أَنَّهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ هُرْمُزَ مَدَنِيٌّ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ، وَيَزِيدَ الْفَارِسِيَّ بَصْرِيٌّ مَقْبُولٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ الْكَمَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ التَّقْرِيبِ: إِنَّ يَزِيدَ بْنَ هُرْمُزَ الْمَدَنِيَّ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ، وَهُوَ غَيْرُ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ الْبَصْرِيِّ ; فَإِنَّهُ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (وَهُوَ) أَيْ: ابْنُ هُرْمُزَ (أَقْدَمُ مِنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ) بِتَخْفِيفِ الْقَافِ، ثُمَّ مُعْجَمَةٍ (وَرَوَى يَزِيدُ الْفَارِسِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَحَادِيثَ) أَيْ: عَدِيدَةً (وَيَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ أَبَانٍ) بِالصَّرْفِ، وَيَجُوزُ مَنْعُهُ (الرَّقَاشِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ هُوَ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ الْقَاصُّ بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ، زَاهِدٌ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ، مَاتَ قَبْلَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، (وَهُوَ) أَيِ: الرَّقَاشِيُّ (يَرْوِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَيَزِيدُ الْفَارِسِيُّ، وَيَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ كِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ) أَيْ: فَمَنْ قَالَ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ اسْمِهِمَا وَبَلَدِهِمَا فَقَدْ تَوَهَّمَ (وَعَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ) أَيِ: الرَّاوِي عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ (هُوَ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ) وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ حَدَّثَنَا، وَهُوَ مُوهَمٌ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِعَوْفٍ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ; فَلَوْ صَحَّ وُجُودُهُ فَالضَّمِيرُ إِلَى الْمُصَنِّفِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ، فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ كَوْنُ عَوْفٍ هُوَ الْأَعْرَابِيَّ (سُلَيْمَانُ) بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ (ابْنُ مُسْلِمٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ) بِالتَّصْغِيرِ (قَالَ) أَيِ: النَّضْرُ (قَالَ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ أَنَا أَكْبَرُ مِنْ قَتَادَةَ) أَيْ: سِنًّا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ عَوْفًا هُوَ الْأَعْرَابِيُّ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ النَّضْرِ عَنْهُ بِعَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِشَارِحٍ: عَرَفَهُ مِنْ أَنَّ قَتَادَةَ يَرْوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِذَا كَانَ رَاوِي يَزِيدَ الَّذِي هُوَ عَوْفٌ أَكْبَرَ مِنْ رَاوِي ابْنِ عَبَّاسٍ، لَزِمَ أَنَّ يَزِيدَ أَدْرَكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَصَحَّ مَا قَدَّمَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ يَزِيدَ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَدْرَكَهُ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ رُؤْيَتُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهِ لِذَلِكَ انْتَهَى، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ جَزَمَ بِأَنَّ يَزِيدَ الْفَارِسِيَّ رَوَى عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَحَادِيثَ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمِثَالِ هَذَا الْمَقَالِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالرِّوَايَةِ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، فَإِنَّ إِمْكَانَ رُؤْيَةِ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَسْتَلْزِمُ رُؤْيَتَهُ بِالْفِعْلِ، مَعَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ذَلِكَ.

(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ) ابْنُ شِهَابٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ أَخِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ عَمِّهِ) أَيِ: الزُّهْرِيِّ (قَالَ) أَيْ: عَمُّهُ (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ رَآنِي يَعْنِي فِي النَّوْمِ) تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ (فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ) أَيِ: الرُّؤْيَةَ الْمُتَحَقِّقَةَ الصَّحِيحَةَ، أَيِ: الثَّابِتَةَ، لَا أَضْغَاثَ فِيهَا، وَلَا أَحْلَامَ، ذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْحَقُّ هُنَا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ، أَيْ: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي رُؤْيَةَ الْحَقِّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ جَاءَ هَكَذَا فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: الْحَقُّ ضِدُّ الْبَاطِلِ فَيَصِيرُ مَفْعُولًا مُطْلَقًا تَقْدِيرُهُ فَقَدْ رَأَى الرُّؤْيَةَ الْحَقَّ، وَقَالَ مِيرَكُ: قِيلَ الْحَقُّ مَفْعُولٌ بِهِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، انْتَهَى.
وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّأَمُّلِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ضِدَّ الْبَاطِلِ، فَلَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا، نَعَمْ يَصِحُّ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ: رَأَى مَظْهَرَ الْحَقِّ أَوْ مَظْهَرَهُ أَوْ مَنْ رَآنِي فَسَيَرَى اللَّهَ سُبْحَانَهُ ; لِأَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَاهُ يَقَظَةً فِي دَارِ السَّلَامِ، فَلْيَزُمْ مِنْهُ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: مَنْ رَآنِي

الصفحة 236