كتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل (اسم الجزء: 2)

وَمَعْنًى.
وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ جَعَلَ الضَّمِيرَ رَاجِعًا إِلَى الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَفْهَمُهُ نَحْوَ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (ضَرْبًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ: ضَرْبًا عَظِيمًا (يُزِيلُ) أَيِ: الضَّرْبُ، وَالْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ (الْهَامَ) أَيْ: جِنْسَ الرَّأْسِ مُبَالَغَةً ; فَإِنَّ مُفْرَدَهُ هَامَةٌ، وَهِيَ الرَّأْسُ أَوْ وَسَطُهُ، وَالْمُرَادُ رُءُوسُ الْكُفَّارِ، وَرُؤَسَاءُ أَهْلِ النَّارِ (عَنْ مَقِيلِهِ) أَيْ: عَنْ مَكَانِهِ، وَمَحَلِّ رُوحِهِ، وَمَوْضِعِ اسْتِرَاحَتِهِ فَأُرِيدَ بِهِ التَّجْرِيدُ أَوِ التَّشْبِيهُ وَالتَّقْيِيدُ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَقِيلَ مَكَانُ الْقَيْلُولَةِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الِاسْتِرَاحَةِ فَجُرِّدَ وَأُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْمَكَانِ أَوْ شُبِّهَ بِهِ الْعُنُقُ بِجَامِعِ مَحَلِّ اسْتِرَاحَةِ الرَّأْسِ، وَبَقَائِهِ وَعَلَى هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ يَصِيرُ الْمَعْنَى يُزِيلُ الرَّأْسَ عَنِ الْعُنُقِ أَوِ الْمَقِيلِ كِنَايَةً عَنِ النَّوْمِ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ مَحَلُّ الِاسْتِرَاحَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النَّوْمِ أَيْ: يَمْنَعُ الرَّأْسَ عَنِ النَّوْمِ، وَالِاسْتِرَاحَةُ بِهِ لِشِدَّةِ مَا يُقَاسِيهِ عَلَى مُلَاحَظَةِ نَوْعِ قَلْبٍ مِنَ الْكَلَامِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ضَرْبًا يَطْرُدُ النَّوْمَ عَنِ الرَّأْسِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا عِنْدَ كَمَالِ الْأَمْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَوَى هَذَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا مِنَ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّهُ أَبْدَلَ عَجُزَ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ.
قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ ... (وَزَادَ عُقْبَةُ) بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ.
نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ ابْتَدَأَ بِعَجُزِ الْأَوَّلِ، وَجَعَلَ عَجُزَ الثَّانِي.
يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ.
وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَلَى هَذَا.
إِنِّي رَأَيْتُ الْحَقَّ فِي قَبُولِهِ.
(وَيَذْهَلُ) وَفِي نُسْخَةٍ، وَيَذْهَبُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى مُنَاسَبَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَالْمَعْنَى وَضَرْبًا يُبْعِدُ وَيُشْغِلُ (الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ) أَيْ: فَيَصِيرُ الْيَوْمَ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلًّا يَخْشَى فَوَاتَ نَفْسِهِ، وَذَهَابَ نَفْسِهِ كَيَوْمِ الْقِيَامَةِ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا تَسْأَلُ عَمَّنْ كَانَ بِهِ جَمِيعُ أَنْسَابِهَا، وَلِكُلِّ امْرِئٍ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِتَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ: أَقُدَّامَ رَسُولِ اللَّهِ (وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ شِعْرًا) أَيْ: وَقَدْ ذُمَّ الشِّعْرُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلِّ عَنْهُ) أَيِ: اتْرُكْهُ مَعَ شِعْرِهِ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ ذَمُّ الشِّعْرِ عَلَى إِطْلَاقِهِ (يَا عُمَرُ) فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْفَارُوقُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ أَفْرَادِهِ ; فَإِنَّ الشِّعْرَ كَسَائِرِ الْكَلَامِ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ ذَمُّهُ عَلَى إِرَادَةِ التَّجْرِيدِ لَهُ، وَتَرْكِ مَا يَجِبُ مِنَ الْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ لَهُ تَأْثِيرٌ بَلِيغٌ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَنْظُومًا عَلَى طَرِيقَةِ الْبُلَغَاءِ، وَخُطَبَاءِ الْفُصَحَاءِ (فَلَهِيَ) اللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ تَأْكِيدًا، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْأَبْيَاتِ أَوِ الْكَلِمَاتِ أَوْ إِلَى الْقَصِيدَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ شِعْرًا، وَقِيلَ رَاجِعٌ إِلَى الشِّعْرِ
بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقَصِيدَةُ أَيْ: فَلَتَأْثِيرُهَا (أَسْرَعُ فِيهِمْ) أَيْ: أَعْجَلُ وَأَنْفَعُ فِي قُلُوبِهِمْ أَوْ فِي إِيذَائِهِمْ (مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ) أَيْ: مِنْ رَمْيِهِ مُسْتَعَارٌ مِنْ نَضْحِ الْمَاءِ، وَاخْتِيرَ لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ نُفُوذًا وَأَعْجَلَ سِرَايَةً، وَالْمَعْنَى أَنَّ هِجَاءَهُمْ أَثَّرَ فِيهِمْ تَأْثِيرَ النَّبْلِ، وَقَامَ مَقَامَ الرَّمْيِ فِي النِّكَايَةِ بِهِمْ بَلْ هُوَ أَقْوَى عَلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا مَعَ الْمُشَافَهَةِ بِهِ كَمَا قِيلَ شِعْرٌ: جِرَاحَاتُ السِّنَّانِ لَهَا الْتِئَامٌ.
وَلَا يَلْتَامُ مَا جَرَحَ اللِّسَانُ أَيِ: الْكَلَامُ وَلَوْ قِيلَ الْكَلَامُ مَكَانَ اللِّسَانِ لَكَانَ الْبَيْتُ مُطْلَقًا فِي غَايَةٍ مِنَ الْبَيَانِ، وَالنَّبْلُ هُوَ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهِ، وَلَعَلَّ اخْتِيَارَ النَّبْلِ عَلَى الرُّمْحِ، وَالسَّيْفِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا، وَأَسْرَعُ تَنْفِيذًا مَعَ إِمْكَانِ إِيقَاعِهِ مِنْ بُعْدٍ إِرْسَالًا، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمَا دَفْعًا وَعِلَاجًا.
رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
«إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ، وَلِسَانِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا تَرْمُونَهُمْ بِنَضْحِ النَّبْلِ» .
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَشِعْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَيَانُ هَجْوِ الْكُفَّارِ، وَأَذَاهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمَانٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجِهَادِ فِيهِمْ، وَالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِي الْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ بَيَانًا لِنَقْصِهِمْ،

الصفحة 42