كتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل (اسم الجزء: 2)

أَتْرُكُهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ: كَيْفَ لَا أَشْكُرُهُ وَقَدْ أَنْعَمَ عَلَيَّ وَخَصَّنِي بِخَيْرِ الدَّارَيْنِ؟ ! فَإِنَّ الشَّكُورَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ يَسْتَدْعِي نِعْمَةً خَطِيرَةً، ثُمَّ تَخْصِيصُ الْعَبْدِ بِالذِّكْرِ مُشْعِرٌ بِغَايَةِ الْإِكْرَامِ، وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ وُصِفَ بِهِ فِي مَقَامِ الْإِسْرَاءِ ; وَلِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ تَقْتَضِي صِحَّةَ النِّسْبَةِ وَلَيْسَتْ إِلَّا بِالْعِبَادَةِ وَهِيَ عَيْنُ الشُّكْرِ فَالْمَعْنَى: أَلْزَمُ الْعِبَادَةَ وَإِنْ غُفِرَ لِي لِأَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا، وَقَدْ ظَنَّ مَنْ سَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَبَبِ تَحَمُّلِهِ الْمَشَقَّةَ فِي الْعِبَادَةِ أَنَّ سَبَبَهَا إِمَّا خَوْفُ الذَّنْبِ أَوْ رَجَاءُ الْمَغْفِرَةِ ; فَأَفَادَ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ سَبَبًا آخَرَ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ وَهُوَ الشُّكْرُ عَلَى التَّأَهُّلِ لَهَا مَعَ الْمَغْفِرَةِ وَإِجْزَالِ النِّعْمَةِ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «إِنَّ قَوْمًا عَبَدُوا رَغْبَةً، فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْمًا عَبَدُوا رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ وَإِنَّ قَوْمًا عَبَدُوا شُكْرًا فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ» ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ رَبِيعِ الْأَبْرَارِ.
(حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ فَتَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ فَمُثَلَّثَةٌ (أَخْبَرَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَنْبَأَنَا (الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ مِنَ الْوَرَمِ هَكَذَا سُمِعَ، وَهُوَ نَادِرٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الشَّيْخِ، وَهُوَ كَذَا فِي أَصْلِ السَّيِّدِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ حَتَّى تَوَرَّمَ قَدَمَاهُ، وَهُوَ عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي أَوِ الْمُضَارِعِ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنَ التَّوَرُّمِ، وَلَمَّا كَانَ الْفِعْلُ مُسْنَدًا إِلَى ظَاهِرِ الْمُؤَنَّثِ الْغَيْرِ الْحَقِيقِيِّ جَازَ فِيهِ الْأَمْرَانِ ثُمَّ نَصَبَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ بَعْدَ حَتَّى (قَالَ) أَيْ: أَبُو هُرَيْرَةَ (فَقِيلَ لَهُ تَفْعَلُ هَذَا) أَيْ: هَذَا الِاجْتِهَادَ، وَالْمَعْنَى: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ ! كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعَجُّبِ (وَقَدْ جَاءَكَ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ جَاءَكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُوا عَنْ تَقْصِيرٍ وَتَوَانٍ وَنِسْيَانٍ، وَسَهْوٍ كَمَا قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِذَنْبِ مَا تَقَدَّمَ ذَنْبُ آدَمَ، وَبِذَنْبِ مَا تَأَخَّرَ ذَنْبُ الْأُمَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا تَقَدَّمَ مَا فَعَلَهُ مَعَ نَوْعٍ مِنَ التَّقْصِيرِ وَبِمَا تَأَخَّرَ مَا تَرَكَهُ سَهْوًا أَوْ نِسْيَانًا فِي التَّأْخِيرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِ أَحَدٌ عَنْ فَضْلِهِ سُبْحَانَهُ وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ» ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ عَمِلَ بِالْعَدْلِ مَعَ الْخَلْقِ لَعَذَّبَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَنَسْتَعِيذُ مِنْ عَدْلِهِ (قَالَ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا.

(حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ) نِسْبَةً إِلَى رَمْلَةَ، بَلْدَةٌ بَيْنَ مِصْرَ وَالشَّامِ (حَدَّثَنَا عَمِّي يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُومُ) أَيْ: مِنَ اللَّيْلِ (يُصَلِّي حَتَّى تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ) بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ فِي أَصْلِ السَّيِّدِ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: رُوِيَ بِالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ، وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقَ وَوَجْهُ كُلٍّ
مِنْهُمَا ظَاهِرٌ (فَيُقَالُ لَهُ تَفْعَلُ هَذَا) أَيْ: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ ! كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ زِيَادَةُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ» قَبْلَ قَوْلِهِ: «تَفْعَلُ» (وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ، وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْحَدِيثُ بِالْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّقْوِيَةِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ، الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: مِنَ التَّهَجُّدِ وَالْوَتْرِ (بِاللَّيْلِ) أَيْ: فِي أَيْ: وَقْتٍ كَانَ مِنْهَا (فَقَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ) أَيْ: بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْوَاقِعَةِ أَحْيَانًا بَعْدَ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ (ثُمَّ يَقُومُ) أَيِ: السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِلتَّهَجُّدِ، وَفِي رِوَايَةٍ وَيَحْيَى آخِرَهُ (فَإِذَا كَانَ مِنَ السَّحَرِ) وَهُوَ السُّدُسُ

الصفحة 66