كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 2)

168 ثم أكبّ على الاشتغال ليلا و نهارا، و صباحا/و مساء، و دأب، و حصّل، إلى أن صار بالفضائل مشهورا، و بالفواضل مشكورا.
و تصّرف فى المناصب السّنيّة، و المدارس العليّة، منها تدريس المدرسة الكبرى، التى تنسب إلى المرحومة اسمى خان، والدة المرحوم المغفور له-إن شاء اللّه تعالى-السلطان سليم الثانى، و هى من المدارس التى جرت العادة بنقل مدرّسها إلى إحدى المدارس الثّمان، و منها إلى تدريس إحدى المدارس السّليمانيّة، بمدينة قسطنطينيّة، و كذلك وقع لصاحب الترجمة، و أقام فى المدرسة السليمانية مدة طويلة، لا ينقطع عن إلقاء الدروس بها يوما، ممّا جرت به العادة، و أما الاشتغال فى منزله الكريم، و المطالعة، و المراجعة، و المباحثة مع الأصحاب و الإخوان و المتردّدين إليه، فإنه لا يفتر و لا يملّ، و لا يقدّم على ذلك أمرا مهمّا، و لا حاجة من حوائج الدنيا.
و له فى العربية، و الفارسية، و التركية، يد طولى.
و أما سجيّته الشعرية، و نظمه فى القصائد الطّنّانة 1، و غوصه على استخراج الجواهر المضيّة، من أصداف الألفاظ الدّرّيّة، فإنه يبهر العقول، و يحيّر الألباب، و يأتى بالعجب العجاب، و الحال أنه ما أتهم و لا أنجد، و لا غوّر و لا أصعد، و لا عاشر الأعراب فى بواديها، و لا قارضهم الأشعار فى حاضرها و لا باديها، و لكنه فضل اللّه تعالى يؤتيه من يشاء، و اللّه ذو الفضل العظيم.
و إن شاء اللّه تعالى، نسوق فى آخر الترجمة من أشعاره و إنشائه، ما يفوق الماء الزّلال، و يعدّ من السحر الحلال 2.
ثم بعد أن أقام فى الاشتغال بالمدرسة المذكورة، ما تقدم ذكره من المدة المزبورة، وجّه له قضاء أدرنة المحروسة، لتى تعدّ من جملة أمّهات المدن، و كراسىّ السلاطين من آل عثمان، أدام اللّه تعالى دولتهم إلى آخر الزمان، فى أول شهر من شهور سنة أربع بعد الألف، أحسن اللّه ختامها، و هذه الرّعاية التامّة، بهذه الولاية من التدريس المذكور، ما حصلت لأحد من أبناء الموالى فى هذه الأيام، و لم يكن إعطاءهم له ذلك لأجل خاطر والده شيخ الإسلام

1) فى ط، ن: «الطنانية»، و المثبت فى: س.
2) لم يف المصنف، رحمه اللّه، بوعده هذا، و تجد شعره فى: خلاصة الأثر، و نفحة الريحانة.

الصفحة 168