كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 2)
169 فقط، بل له و لما حواه من الفضائل الكاملة، و الفواضل الشاملة، لما أنعم اللّه تعالى به عليه من العقل، و اللطف، و الرفق، و الشفقة، و الرحمة، و حسن التدبير، و الفكر الثّاقب، و الرأى الصائب، و لكونه ممّن يستحقّ أن يوصف بقول أبى الطيب المتنبّى، بل هو أحقّ به ممن قيل فى حقّه 1:
قاض إذا اشتبه الأمران عنّ له
رأى يفرّق بين الماء و اللّبن 2
و لما خرج متوجّها إلى مدينة أدرنة المذكورة، خرج معه لتوديعه و تشييعه من أرباب الدولة، و أكابر الديار الروميّة، و مواليها، و علمائها، و فضلائها، ما لا يعدّ كثرة، و كان من جملتهم قاضيا القضاة، المعروف كل منهما فى الدولة العثمانية بقاضى العسكر، أحدهما قاضى العسكر بولاية روميلى، و الآخر بولاية أناطولى.
و لما وصل بالصحة و السلامة إلى مدينة أدرنة، فرح أهلها بقدومه، و استقبلوه إلى مسافة بعيدة عن المدينة، سرورا بذلك لما كانوا يسمعونه عنه، من اتّصافه بالأخلاق الحميدة، و الآراء السديدة، و لما بلغهم عنه أيضا من الثّقات، أنه يقول: لا بد أن أسلك طريق العدل/ و الإنصاف، و أساعد الفقراء و المساكين بحسب الطاقة، و لا أدع 3 أحدا من أتباعى يمدّ يده إلى شاء من أموال الناس. و غير ذلك من الوعود الجميلة، و النية الصالحة، و قد أنجز وعده، و حفظ عهده، و سار فيهم سيرة شريحيّة 4، بفطنة إياسيّة 5، حتى فاق الأقران، و أربى فى سائر الفضائل على غالب من تقدّمه فى الزمان.
و لما سافر السلطان الغازى محمد خان، نصره اللّه تعالى، إلى بلاد الكفار الفجار، بولاية
1) ديوان أبى الطيب 157، من قصيدة يمدح بها أبا عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن محمد الخصيبى، قاضى أنطاكية.
2) فى الديوان: «إذا التبس الأمران. . . يخلص بين الماء و اللبن».
3) فى الأصول: «يدع».
4) فى ط: «سريجية»، و المثبت فى: س، ن. و هو يشير إلى القاضى شريح بن الحارث بن قيس الكندى، المتوفى سنة ثمان و سبعين، و كان له قضاء الكوفة فى أيام عمر و عثمان و على و معاوية، و كان مأمونا فيه، ثقة فى الحديث. حلية الأولياء 4/ 132، شذرات الذهب 1/ 85، وفيات الأعيان 2/ 167.
5) يشير إلى القاضى إياس بن معاوية بن قرة المزنى، المتوفى سنة اثنتين و عشرين و مائة. كان قاضى البصرة، و يضرب به المثل فى الذكاء و الزكن. حلية الأولياء 3/ 123، ثمار القلوب 92 - 94، وفيات الأعيان 1/ 254 - 257.