كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 2)

170 الألمان، مرّ فى طريقه على مدينة أدرنة، فوجد أهاليها شاكرين منه، داعين له، راضين عنه، فأقبل عليه غاية الإقبال، و جلس لأجله مجلسا خاصّا لا يشركه فيه أحد، للسلام عليه، و التشرّف بتقبيل يديه، فبمجرّد نظره إليه، قام له على قدميه، و عظّمه، و بجّله فى الدخول و الخروج، أكثر من تعظيمه لقضاة العسكر، بل و لمن هو أكبر منهم.
ثم اقتضى رأيه الشريف، أن يكرّمه و يراعيه، بما يليق من المناصب السنيّة، و المراتب العليّة، ففوّض إليه قضاء دار السلطنة البهيّة، قسطنطينيّة المحميّة، صانها اللّه تعالى عن كل آفة و بليّة، و توجّه إليها مصحوبا بالسلامة، مؤيّدا بالكرامة، و تأسّفت أهالى أدرنة على فراقه، و شيّعه كثير منهم مقدار مرحلة أو مرحلتين، فبينما هو فى أثناء الطريق، إذ ورد عليه خبر بأن والدة سلطان العصر-نصره اللّه تعالى، و أنعم عليه خاصة، و على الناس عامة، بنفوذ الأوامر على كلّ حال، و الاستقلال فى مهمّات الأمور بتدابير الرّجال-قد امتنعت من تنفيذ هذا الإعطاء، و صمّمت على ردّ هذه الولاية، و ولتّ فيما يقال: قاضى إصطنبول سابقا، أو أبقته على ما كان عليه، لكون ولدها السلطان المشار إليه، قد فوّض إليها فعل ذلك، و أنها تعزل من أرباب الدولة من أرادت، و تولّى من أردات، فاضطربت أرباب المناصب لهذا الخبر غاية الاضطراب، و تحيّرت عقول العامة فى هذا الأمر و لا شكّ أنه يحيّر الألباب، أمّا أرباب المناصب فللخوف على مناصبهم باختلال الأحوال، و سرعة النّقض و الإبرام، و اعوجاج ما كانوا يعهدونه من ذلك الاعتدال، و أما العامة فلكونهم كانوا يؤمّلون صلاح أحوالهم، بأن هذا السّفر يسفر عن اختصاص الحلّ و العقد بفحول الرّجال، فإذا بالأمور على ما كانت عليه، و الطّباع ما تغيّر عن ما كان متوجّها إليه، و وجوه الاختلال و علله كثيرة، و منكراته صارت معروفة شهيرة، لا نطيل بذكرها، فلا حول و لا قوة إلا باللّه العلىّ العظيم 1
***

1) هكذا ترك المصنف الترجمة ناقصة، أملا فى أن ينسأ اللّه فى أجله، و لكن المنية اخترمته قبل المترجم، فقد ذكر المحبى أن وفاة المترجم كانت سنة أربع و ثلاثين و ألف.

الصفحة 170