كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 2)

216 حكى أنه سأل بعض حواشيه: ما يقول الناس عنّى؟، و ألحّ عليه.
فقال: يقولون إنك ما تحفظ القرآن الكريم.
فدخل من وقته، و حفظه فى أقلّ من ستة أشهر، حفظا متقنا.
و قال السّيد الشريف سراج الدين عبد اللطيف الفاسىّ، قاضى القضاة الحنابلة بمكة:
قدمت على القان شاه رخّ فى بعض سفراتى إليه، فوجّهنى إلى ألغ بيك صاحب سمرقند، فلما وصلت إليه، رحّب بى، و أكرمنى غاية الإكرام، و أخذ يحادثنى فى بعض الأيام، و يسألنى عن كيفيّة الحرم الشريف، و كيف مثال الكعبة، و الحجر الأسود و غير ذلك، فصرت أصف له كلّ ما بالحرم من البناء و غير ذلك، و هو لا يكرّر منى اللفظ، بل يفهمه من أوّل مرّة كأنه رآه، فذهل عقلى ممّا رأيت من ذكائه المفرط، و صرت كلما جالسته بعد ذلك أسمع منه من الغرائب ما أتعجّب منه، من كثرة 1 محفوظه للشعر، و استشهاده على ما يحكيه من الحكايات بكلام العرب، و حفظه للتاريخ، و مع ذلك يعتذر بقلّة معرفته باللغة العربية.
و تذاكرت معه أيضا فجرى ذكر أشراف مكة بنى حسن، فقال بعض من حضر: هم أولاد جوار، فأنشد ألغ بيك المذكور فى الحال قول الشاعر:

لا تحقرنّ امرءا من أن تكون له
أمّ من التّرك أو سوداء عجماء

فإنّما أمّهات الناس أوعية
مستودعات و للأحساب آباء

انتهى كلام الشيخ سراج الدين باختصار.
و ألغ بيك هذا، هو أسنّ أولاد أبيه شاه رخّ، و لما مات أبوه، أقامت زوجته فى الملك ولد ولدها علاء الدولة، و تركت ولدها ألغ بيك، فلما بلغ ألغ بيك ذلك جمع العساكر، و توجّه إلى هراة، و استولى عليها، و هزم أمّه، و ابن أخيه منها، و أخذ غالب خزائن والده، و عاد إلى سمرقند مؤيّدا منصورا.
و أقام بها إلى أن خرج عن طاعته ولده عبد اللطيف، و خلعه من السّلطنة، و استولى على مملكته، ثم إنه قتله، فى خبر طويل.
و يحكى أنه قال حين أمر بقتله: و الله، لقد علمت أن هلاكى على يد ولدى عبد اللطيف هذا، من يوم ولد، لكن أنسانى القدر ذلك، و و الله لا يعيش بعدى إلا خمسة

1) فى ط: «كثرة» دون «من»، و فى ن: «و كثرة»، و المثبت فى: س.

الصفحة 216