كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 2)

285
ذكر مقتل جعفر، و إيقاع الرشيد به و بأهل بيته و ذكر السبب فى ذلك على وجه الاختصار، فإن فيه عبرة لمن يعتبر، و عظه لمن يتّعظ، و تنبيها لمن هو غافل عن غدر الدنيا لأربابها، و إساءتها بعد الإحسان لأصحابها، و قد نقلت ذلك من التواريخ المعتمدة، كتاريخ الخطيب، و تاريخ ابن كثير، و غيرهما.
قال ابن كثير 1 رحمه اللّه تعالى: ثم دخلت سنة سبع و ثمانين و مائة، فيها كان مقتل الرّشيد جعفر بن يحيى بن خالد البرمكىّ، و دمار ديارهم، و اندثار آثارهم، و ذهاب صغارهم و كبارهم، و قد اختلف فى سبب ذلك على أقوال، ذكرها أبو جعفر بن جرير، و غيره من علماء التاريخ، فممّا قيل: إن الرشيد قد سلّم يحيى بن عبد اللّه بن حسن إلى جعفر البرمكىّ، فسجنه عنده، قال: فمازال يحيى يترفّق له حتى أطلقه جعفر، فنمّ الفضل بن الربيع على جعفر فى ذلك، فقال له الرشيد: ويلك، لا تدخل بينى و بين جعفر، فلعلّه قد أطلقه على أمرى و أنا لا أشعر. ثم سأل الرشيد جعفر عن ذلك فصدقه الحال، فتغيّظ عليه الرشيد، و حلف ليقتلنّه، و كره البرامكة، و مقتهم، و قلاهم، بعد ما كانوا أحظى الناس عنده، و أحبّهم إليه، و كانت أمّ جعفر و الفضل أمّه من الرّضاعة، و جعلهم من الرّفعة فى الدنيا و كثرة المال، بسبب ذلك فى شاء كثير لم يحصل لمن قبلهم من الوزراء، و لا لمن بعدهم من الأكابر و الرّؤساء، بحيث إن جعفرا بنى دارا، و غرم عليها عشرين ألف ألف درهم، و كان ذلك 2 من جملة ما كبر عليه بسببه 2.
و يقال: إن الرشيد كان لا يمرّ ببلد و لا إقليم فيسأل عن قرية أو مزرعة أو بستان، إلاّ قيل: هذا لجعفر.
و قد قيل 3: إن البرامكة كانوا يريدون إبطال خلافة الرشيد، و إظهار الزّندقة، و يؤيّد ذلك ما روى أنّ الرشيد أتى بأنس بن أبى شيخ، و كان يتّهم 4 بالزّندقة، و كان مصاحبا

1) البداية و النهاية 10/ 189.
2 - 2) فى البداية و النهاية: «من جملة ما نقمه عليهم الرشيد».
3) البداية و النهاية 10/ 190، 191.
4) فى س: «متهما»، و المثبت فى: ط، ن، و البداية.

الصفحة 285