كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 2)
289 فقبّل قدميه، و ادّخل عليه أن يدخل إلى أهله فيوصى إليهم، فقال: أمّا الدّخول فلا سبيل إليه.
فأوصى جعفر، و أعتق جماعة من مماليكه، و جاءت رسل الرشيد تستحثّ الخادم، فأخرجه إخراجا عنيفا يقوده حتى أتى إلى المنزل الذى كان فيه الرشيد، فحبسه و قيّده بقيد، و أعلم الرشيد بما فعل، فأمره بضرب عنقه، فجاء إلى جعفر، فقال: إن أمير المؤمنين أمرنى أن آتيه برأسك. فقال: يا أبا هاشم، لعلّ أمير المؤمنين سكران، فإذا صحا عاتبك على ذلك، فعاوده.
فرجع إليه، فقال: يا أمير المؤمنين، لعلّك مشغول. فقال: ويحك يا ماصّ بظر أمّه، إيتنى برأسه. فكرّر عليه جعفر المعاودة، فقال له: برئت من المهدىّ لئن لم تأتنى برأسه لأبعثنّ من يأتينى برأسك و رأسه. فرجع إلى جعفر، و حزّ رأسه، و جاء به إلى الرشيد، فألقاه بين يديه.
و أرسل الرشيد من ليلته البرد 1 فى الاحتياط على البرامكة جميعهم ببغداد و غيرها، و من كان منهم بسبيل، فأخذوا كلّهم عن آخرهم، فلم يفلت منهم أحد، و حبس يحيى بن خالد فى منزله، و حبس الفضل بن يحيى فى منزل/آخر، و أخذ جميع ما كانوا يملكونه من الأموال و الموالى و الحشم و الخدم، و احتيط على أملاكهم.
و بعث الرشيد برأس جعفر و جثّته، ثم قطعت شقّين، فنصب الرّأس عند الجسر الأعلى، و شقّ الجثّة عند الجسر الأسفل، و شقّها الآخر عند الجسر الآخر، ثم أحرقت بعد ذلك 2.
و نودى فى بغداد: أن لا أمان للبرامكة، و لا لمن والاهم إلاّ محمد بن يحيى بن خالد 3، فإنه استثناه من بين البرامكة، لنصيحة الخليفة، و شحنت السّجون بالبرامكة، و استلبت أموالهم كلّها.
و قد كان الرشيد 4 فى اليوم الذى قتل فى آخره جعفر، هو و إياه راكبين فى الصّيد، و قد خلا به دون ولاة العهود، و طيّبه فى ذلك اليوم، و لمّا كان وقت المغرب، و ودّعه الرشيد، ضمّه إليه، و قال: لو لا أن الليلة ليلة خلوتى بالنّساء ما فارقتك، فاذهب إلى منزلك، فاشرب، و اطرب لتكون على مثل حالى.
1) فى س، ن: «البريد»، و المثبت فى: ط، و البداية و النهاية.
2) ساقط من: س، و هو فى: ط، ن، و البداية و النهاية.
3) ساقط من: ط، ن، و هو فى: س، و البداية و النهاية.
4) البداية و النهاية 10/ 191.