كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 2)

296 و عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمىّ 1 صاحب صلاة الكوفة، قال: دخلت على أمّى فى يوم أضحى، و عندها امرأة برزة 2، فى أثواب دنسة رثّة، فقالت لى: تعرف هذه؟ قلت:
لا. قالت: هذه عبادة أمّ جعفر بن يحيى. فسلّمت عليها، و رحّبت لها، و قلت لها: يا فلانة، حدّثينى ببعض أمركم.
قالت: أذكر لكم جملة كافية لمن اعتبر، و موعظة لمن فكّر، لقد هجم علىّ مثل هذا العيد، و على رأسى أربعمائة وصيفة، و أنا أزعم أن جعفرا ابنى عاقّ لى، و لقد أتيتكم فى 3 هذا اليوم و الذى يقنّعنى جلدا شاتين، أجعل أحدهما شعارا، و الآخر دثارا.
و لنختم أخبار البرامكة بحكاية عجيبة، و قصة غريبة، لا يسمع فى باب المكارم مثلها، و لا فى أخبار الوفاء بأعجب منها.
ذكر أبو الفرج ابن الجوزىّ، فى كتابه «المنتظم» 4، أن المأمون بلغه أن رجلا يأتى فى كلّ يوم إلى قبور البرامكة، فيبكى عليهم، و يندبهم، فبعث من جاءه به، فدخل عليه و قد يئس من الحياة، فقال له: ويحك، ما حملك على صنيعك هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّهم أسدوا إلى معروفا، و خيرا كثيرا، ولى خبر يطول. فقال: قل.
قال: أنا المنذر بن المغيرة، من أهل دمشق، كنت فى نعمة عظيمة، فزالت عنّى، و أفضى بى الحال إلى أن بعت دارى، و لم يبق لى شاء، فأشار بعض أصحابى علىّ بقصد البرامكة، فأتيت بغداد و معى نيّف و عشرون امرأة، فأنزلتهنّ فى مسجد، و قصدت مسجد الجامع، فدخلت، فإذا فيه جماعة لم أر أحسن منهم، فجلست إليهم، فجعلت أراود نفسى فى طلب قوت منهم لعيالى 5، فيمنعنى من ذلك ذلّ السّؤال، فبينا أنا كذلك، إذا بخادم قد أقبل فاستدعاهم، فقاموا كلّهم و قمت معهم، فدخلوا دارا عظيمة، فإذا الوزير يحيى بن خالد، فجلسوا حوله، و عقد عقد ابنته عائشة على ابن عمّ له، و نثروا علينا سحيق المسك، و بنادق العنبر، ثم جاءت الخدم إلى كلّ واحد من الجماعة بصينيّة من فضّة، فيها ألف دينار،

1) البداية و النهاية 10/ 197، تاريخ بغداد 7/ 156، 157.
2) البرزة: التى تفوق لداتها.
3) فى س بعد هذا زيادة: «مثل»، و المثبت فى: ط، ن، و البداية، و الخطيب.
4) نقله ابن كثير عن المنتظم فى البداية و النهاية 10/ 197، 198.
5) ساقط من: س، و هو فى: ط، ن.

الصفحة 296