كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 2)
297 و معها فتات المسك، فأخذها القوم و نهضوا، و بقيت الصّينيّة التى وضعوها بين يدىّ، و أنا أهاب 1 أن آخذها من عظمتها 2 عندى، فقال لى بعض الحاضرين: ألا تأخذ و تقوم.
فممدت يدى فأخذتها، و أفرغتها فى جيبى، و أخذت الصّينيّة تحت إبطى.
و قمت و أنا خائف أن تؤخذ منّى، فجعلت ألتفت و الوزير ينظرنى و لا أشعر، فلمّا بلغت السّتارة أمر بى فردّونى، فيئست من المال، فلما رجعت قال لى: ما شأنك؟ فقصصت عليه خبرى، و خبر عيالى، فبكى/و قال لأولاده: خذوا هذا فضمّوه إليكم. فجاءنى خادم، فأخذ منّى الذهب و الصّينيّة، و أقمت عندهم عشرة أيام، من ولد إلى ولد، و خاطرى كلّه عند عيالى و لا يمكننى الانصراف.
فلما انقضت العشرة، قال لى الخادم: ألا تذهب إلى أهلك، فقلت: بلى و اللّه. فقام يمشى أمامى و لم يعطنى الذهب، فقلت فى نفسى: يا ليت هذا كان من قبل. فسار أمامى إلى دار لم أر أحسن منها، فإذا فيها عيالى يتمرّغون فى الذّهب و الحرير، و قد وصل إليهم مائة ألف درهم و عشرة آلاف دينار، و كتاب فيه تمليك الدّار بما فيها، و تمليك قريتين جليلتين، فكنت مع البرامكة فى أطيب عيش، فلمّا أصيبوا أخذ منّى عمرو بن سعيد القريتين، و ألزمنى بخراجهما، فكلّما لحقنى فاقة قصدت دورهم و قبورهم، فبكيت عليهم.
فأمر المأمون بردّ القريتين عليه و خراجهما، فبكى الشيخ بكاء شديدا، فقال له المأمون:
ألم أستأنف بك جميلا.
قال: بلى، و لكن هو من البرامكة.
فقال: امض مصاحبا للسّلامة، فإن الوفاء مبارك، 3 و حفظ العهد 3 من الإيمان.
و اللّه تعالى أعلم.
***
1) فى س: «أخاف»، و المثبت فى: ط، ن.
2) فى ن: «عظمها»، و المثبت فى: س، ط.
3 - 3) فى البداية و النهاية: «و مراعاة حسن العهد و الصحبة».