كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

وَلَوْ فُرِضَ تَعَدُّدُ تَفْرِيقِ أَعْضَاءِ الْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْمَلَكَيْنِ الَّذِينَ يَجْلِسَانِ عَلَى الْقَبْرِ يَسْتَغْفِرَانِ لِلْمَيِّتِ هَلْ هُمَا الْكَاتِبَانِ أَوْ السَّائِقُ وَالشَّهِيدُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} [ق: 21] حَدِيثًا طَوِيلًا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَاتِبَيْنِ هُمَا السَّائِقُ وَالشَّهِيدُ وَهُمَا اللَّذَانِ يَجْلِسَانِ عَلَى الْقَبْرِ لِلِاسْتِغْفَارِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ إعَادَةُ الْأَجْسَادِ تَكُونُ عَلَى صِفَتِهَا الْأُولَى حَتَّى فِي الْمَحْشَرِ أَوْ لَا فَتَكُونُ الْعَيْنَانِ فِي الرَّأْسِ وَيُحْشَرُونَ جُرْدًا مُرْدًا كَمَا وَرَدَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} [ق: 41] وَالْحَلِيمِيُّ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَفِي تَذْكِرَتِهِ فِي حَدِيثِ «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» أَيْ غَيْرَ مَخْتُونِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِمْ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ وَشَعْرٍ وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا دَفْنَ مَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ مَعَهُ وَحِينَئِذٍ فَالتَّغْيِيرُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَكَوْنُ الْعَيْنَيْنِ فِي الرَّأْسِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَلَا مِنْ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ الْكَشْفِ قَالَ بِهِ لَكِنْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ إنَّهُ وَرَدَ وَمَعَ ذَلِكَ فَظَاهِرُ جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاسْتِعْظَامِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَشْفَ الْعَوْرَاتِ بِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ أَنَّهُمَا فِي الْوَجْهِ وَفِي تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ حَدِيثٌ فِيهِ أَنَّهُ تَنْشَقُّ عَنْهُمْ الْأَرْضُ شَبَابًا أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَعْرِفُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَحْشَرِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا أَرْبَابُ الْحُقُوقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الصَّحِيحَيْنِ وَمِنْهَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ رَأْسًا فِي الْخَيْرِ يَدْعُو إلَيْهِ وَيَأْمُرُ بِهِ يُدْعَى بِاسْمِهِ حَتَّى إذَا نَجَا يُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ إلَى أَصْحَابِك فَبَشِّرْهُمْ وَأَخْبِرْهُمْ بِأَنَّ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مِثْلَ هَذَا وَكَذَا إذَا كَانَ رَأْسًا فِي الشَّرِّ وَمِنْهَا فِي مَوْطِنِ الشَّفَاعَةِ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْجَنَّةِ صُفُوفًا وَأَهْلَ النَّارِ صُفُوفًا فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ صُفُوفِ أَهْلِ النَّارِ إلَى الرَّجُلِ مِنْ صُفُوفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَهُ يَا فُلَانُ أَتَذْكُرُ يَوْمَ اصْطَنَعْتُك مَعْرُوفًا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا اصْطَنَعَ لِي فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا فَيُقَالُ لَهُ خُذْ بِيَدِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ» .

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُمِيتُ اللَّهُ الْعُصَاةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إذَا دَخَلُوا النَّارَ إمَاتَةً حَقِيقِيَّةً وَمَا مَعْنَى {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [الدخان: 56] ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ رَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ يَمُوتُونَ ثُمَّ يُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ فَيُبَثُّونَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ. الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْإِمَاتَةُ حَقِيقِيَّةٌ ثُمَّ يُخْرَجُونَ مَوْتَى قَدْ صَارُوا فَحْمًا فَيُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ ثُمَّ يُلْقَوْنَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّهُ يَغِيبُ عَنْهُمْ إحْسَاسُهُمْ بِالْآلَامِ وَاخْتَارَ مَا مَرَّ وَكَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مِنْ حِينِ يَدْخُلُونَهَا يَمُوتُونَ وَضَبَائِرُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ ضِبَارَةٍ بِكَسْرِهَا وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وَالضَّمِيرُ فِي فِيهَا فِي الْآيَةِ رَاجِعٌ إلَى الْجَنَّةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا مُنْقَطِعٌ إذْ الْمَوْتَةُ الْأُولَى فِي الدُّنْيَا أَوْ إلَّا بِمَعْنَى بَعْدَ أَوْ سِوَى.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ يُكْرَهُ اللَّغَطُ فِي الْجِنَازَةِ فَهَلْ تَنْتَهِي الْكَرَاهَةُ بِمَاذَا أَيْ بِالِانْصِرَافِ عَنْ الْمَقْبَرَةِ أَمْ تَتَقَيَّدُ بِمَا دَامَ الْمَيِّتُ فِي النَّعْشِ إذْ الْجِنَازَةُ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَنْتَهِي بِتَمَامِ طَمِّ الْقَبْرِ وَأَنْ يُقَالَ بِسَدِّ اللَّحْدِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَأَمَّا الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي السُّؤَالِ فَبَعِيدَانِ جِدًّا وَيُرَدُّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ كَرَاهَةُ اللَّغَطِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ جِنَازَةٍ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ وَالثَّانِي بِأَنَّهُ مِنْ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجِنَازَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ أَصْلُ وَضْعِهَا إذْ كَيْفَ يُتَخَيَّلُ ذَلِكَ مَعَ تَعْبِيرِهِمْ بِفِي فِي قَوْلِهِمْ فِي الْجِنَازَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الْجَمَاعَةُ التَّابِعُونَ لَهَا أَوْ تَكُونُ فِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ يُكْرَهُ اللَّغَطُ بِسَبَبِ الْجِنَازَةِ عَلَى تَابِعِهَا وَحِينَئِذٍ فَمَا دَامَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابِعُهَا كُرِهَ لَهُ وَمَا لَا فَلَا وَمَعْلُومٌ مِمَّا قَالُوهُ فِي حُصُولِ الْقِيرَاطَيْنِ أَنَّ تَبَعِيَّتَهَا تَنْقَطِعُ بِسَدِّ اللَّحْدِ وَإِنْ لَمْ يُطَمَّ الْقَبْرُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ حِينَئِذٍ حَصَلَ لَهُ تَمَامُ الْقِيرَاطَيْنِ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا رَجَّحْتُهُ مِنْ انْتِهَاءِ الْكَرَاهَةِ بِسَدِّ اللَّحْدِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَنْ امْرَأَةٍ أَوْصَتْ بِأَنَّهَا تُكَفَّنُ مِنْ مَالِهَا

الصفحة 10