كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ وَلَوْ كَفَّنَهَا الْوَصِيُّ مِنْ مَالِهِ هَلْ يَرْجِعُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ مَاتَتْ غَيْرَ نَاشِزَةٍ وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ كَانَ إيصَاؤُهَا بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهَا مِنْ مَالِهَا وَصِيَّةً لِوَارِثٍ فَلَا تَنْفُذُ إلَّا إنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَشَرْطُ رُجُوعِ الْوَصِيِّ إذْنُ الْقَاضِي إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ الْمَيِّتُ قَدْ يُلَطَّخُ بَدَنُهُ أَوْ بَعْضُ كَفَنِهِ بِزَعْفَرَانٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ فِي الثِّيَابِ دُونَ الْبَدَنِ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحْرِيمُ ذَلِكَ لَكِنْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يُكْرَهُ الْخَلُوقُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ طِيبٌ مَخْلُوطٌ بِزَعْفَرَانٍ وَغَيْرِهِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا اُسْتُهْلِكَ الزَّعْفَرَانُ بِحَيْثُ صَارَ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ مَحْسُوسٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلُوقِ هُوَ تَلْطِيخُ قَلِيلٍ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ أَصْلًا وَيُؤْخَذُ مِنْ كَرَاهَةِ الْخَلُوقِ أَنَّ تَلْطِيخَ قَلِيلٍ مِنْ كَفَنِ الْمَيِّتِ بِالزَّعْفَرَانِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ امْرَأَةٍ كُفِّنَتْ مِنْ مَالِهَا وَزَوْجُهَا غَائِبٌ مُوسِرٌ فَهَلْ يَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ بِالْكَفَنِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ لَا يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ قَالَ وَظَهَرَ لِي أَنَّ الْكَفَنَ إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُمْكِنُ وَتَمْلِيكُ الْوَرَثَةِ لَا يَجِبُ فَتَعَيَّنَ الْإِمْتَاعُ اهـ فَإِنْ قُلْنَا إمْتَاعٌ اتَّضَحَ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ بِمَوْتِهَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ وَإِنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ أَوْ قِيمَتَهُ بِمَوْتِهَا وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إمْتَاعٌ ثُمَّ رَأَيْت الرِّيمِيَّ أَفْتَى فِيمَنْ أَوْصَتْ بِأَنْ تُجَهَّزَ مِنْ مَالِهَا بِأَنَّهَا إنْ قَالَتْ أَوْصَيْت بِإِسْقَاطِ ذَلِكَ عَنْ الزَّوْجِ كَانَ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ أَوْ اجْعَلُوا تَجْهِيزِي مِنْ مَالِي صُرِفَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهَا وَيَبْقَى الْكَفَنُ وَمُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ لِأَنَّ مَالَهَا قَدْ يَكُونُ أَحَلَّ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَيَبْقَى مَا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ فَأَوْصَتْ بِأَنْ تُكَفَّنَ مِنْ مَالِهَا الْخَاصِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إسْقَاطًا لِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ.
قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ وَجَبَ مِنْ قَبْلُ قُلْنَا وَالْكَفَنُ وَاجِبٌ مِنْ قَبْلِ الْمَوْتِ لِأَنَّ مَأْخَذَهُ وُجُوبُ الْكِسْوَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ وَهِيَ نَاشِزَةٌ سَقَطَ إيجَابُ الْكَفَنِ فَعَلِمْنَا أَنَّ وُجُوبَهُ مُتَقَدِّمٌ كَالدَّيْنِ اهـ وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ وَأَنَّ الْوَرَثَةَ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْكَفَنَ تَمْلِيكٌ لَا إمْتَاعٌ وَقَدْ رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مَا رَجَّحَهُ الْجَلَالُ وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَكُفِّنَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِ جَزْمًا وَالْأَوْجُهُ أَنَّهَا حَيْثُ أَوْصَتْ بِأَنَّهَا تُجَهَّزُ مِنْ مَالِهَا كَانَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ سَوَاءٌ أَطْلَقَتْ أَوْ عَيَّنَتْ نَوْعًا مِنْهُ وَأَنَّهَا حَيْثُ كُفِّنَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُرْجَعْ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَبِدُّ بِذَلِكَ إنَّمَا فَعَلَهُ عَلَى ظَنِّ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَتُهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَجَبَتْ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ فِي مَالِ الزَّوْجَةِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إعْسَارُهُ مَعَ فَرْضِ مَالٍ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْهَا حِصَّةً يَصِيرُ بِهَا مُوسِرًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَيْ يَسْتَقِرُّ إرْثُهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ مَا تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهَا مُؤَنُ التَّجْهِيزِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى إرْثِهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَهُوَ حَالَ وُجُوبِهَا مَوْصُوفٌ بِالْإِعْسَارِ إلَى الْآنَ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ بِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ لَكِنْ الْأَوْلَى لَهُمْ إذَا كَانَ أَصْلَحَ أَنْ يُقَدِّمُوهُ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ إذَا جُعِلَ مَكَانٌ لِلدَّفْنِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَأُحْكِمَ بِحَيْثُ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ وَوُضِعَ فِيهِ شَخْصٌ فَهَلْ يَكْفِي الدَّفْنُ أَوْ يَلْزَمُ أَنْ نَفْتَحَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلَى فَيُحْفَرُ لَهُ فِيهِ وَيُدْفَنُ فِيهِ أَوْ يُعْتَمَدُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ بِالِاكْتِفَاءِ بِالدَّفْنِ فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَاعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا فَيَجِبُ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ قَبْلَ بَلَائِهِ حُفْرَةً تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ وَيُدْفَنَ

الصفحة 11