كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

فِيهَا وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كَرَاهَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقُبُورِ هَلْ تَعُمُّ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَالْقُرْآنَ وَاسْمَ الْمَيِّتِ وَغَيْرَ ذَلِكَ أَوْ تَخُصُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَيِّنُوهُ بِمَا فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ كَرَاهَةَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقَبْرِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاعْتَرَضَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ الْمُحَدِّثُ بِأَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشَّرْقِ إلَى الْغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ إنَّمَا يَتَّجِهُ أَنْ لَوْ فَعَلَهُ أَئِمَّةُ عَصْرٍ كُلُّهُمْ أَوْ عَلِمُوهُ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَأَيُّ إنْكَارٍ أَعْظَمُ مِنْ تَصْرِيحِ أَصْحَابِنَا بِالْكَرَاهَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِالْحَدِيثِ هَذَا وَبَحَثَ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيُّ تَقْيِيدَ ذَلِكَ بِالْقَدْرِ الزَّائِدِ عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِالْمَيِّتِ وَعِبَارَةُ السُّبْكِيّ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ وَضْعَ شَيْءٍ يُعْرَفُ بِهِ الْقَبْرُ مُسْتَحَبٌّ فَإِذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ طَرِيقًا فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُكْرَهَ إذَا كُتِبَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ.
وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَمَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَكْتُوبُ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ غَيْرَهُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ جَوَانِبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِهِ لِلْأَذَى بِالدَّوْسِ وَالنَّجَاسَةِ وَالتَّلْوِيثِ بِصَدِيدِ الْمَوْتَى عِنْدَ تَكْرَارِ النَّبْشِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ فَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ لِلنَّهْيِ وَأَمَّا كِتَابَةُ اسْمِ الْمَيِّتِ فَقَدْ قَالُوا إنَّ وَضْعَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْقُبُورُ مُسْتَحَبٌّ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ طَرِيقًا فِي ذَلِكَ فَيَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا سِيَّمَا قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ عِنْدَ تَطَاوُلِ السِّنِينَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْحَاكِمِ وَقَالَ عَقِبَهُ فَإِنْ أَرَادَ كِتَابَةَ اسْمِ الْمَيِّتِ لِلتَّعْرِيفِ فَظَاهِرٌ وَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا قُصِدَ بِهِ الْمُبَاهَاةُ وَالزِّينَةُ وَالصِّفَاتُ الْكَاذِبَةُ، أَوْ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ.
وَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيّ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي كِتَابَةِ اسْمِ الْمَيِّتِ لِلتَّعْرِيفِ وَالْأَذْرَعِيُّ مِنْ اسْتِحْبَابِهَا ظَاهِرٌ إنْ تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ إلَّا بِهَا لَوْ كَانَ عَالِمًا أَوْ صَالِحًا وَخُشِيَ مِنْ طُولِ السِّنِينَ انْدِرَاسُ قَبْرِهِ وَالْجَهْلُ بِهِ لَوْ لَمْ يُكْتَبْ اسْمُهُ عَلَى قَبْرِهِ وَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ وَهُوَ هُنَا الْحَاجَةُ إلَى التَّمْيِيزِ فَهُوَ بِالْقِيَاسِ عَلَى نَدْبِ وَضْعِ شَيْءٍ يُعْرَفُ بِهِ الْقَبْرُ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ أَوْ إلَى بَقَاءِ ذِكْرِ هَذَا الْعَالِمِ أَوْ الصَّالِحِ لِيَكْثُرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ أَوْ عَوْدُ بَرَكَتِهِ عَلَى مَنْ زَارَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ قَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ الدَّوْسُ وَالنَّجَاسَةُ غَيْرَ مُحَقَّقَيْنِ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُحَقَّقَيْنِ فِي الْحَالِ هُمَا مُحَقَّقَانِ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ مِنْ نَبْشِ تِلْكَ الْمَقْبَرَةِ وَانْدِرَاسِ هَذَا الْقَبْرِ وَيَلْحَقُ بِالْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَيُحْمَلُ النَّهْيُ إلَخْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ تَارَةً يُحْمَلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَتَارَةً يُحْمَلُ عَلَى الْحُرْمَةِ وَهُوَ مَا لَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ أَوْ اسْمًا مُعَظَّمًا دُونَ غَيْرِهِمَا وَإِنْ قَصَدَ الْمُبَاهَاةَ وَالزِّينَةَ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كِتَابَةِ الْعَهْدِ عَلَى الْكَفَنِ وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَقِيلَ: إنَّهُ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالَمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إنِّي أَعْهَدُ إلَيْك فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي فَإِنَّك إنْ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبْعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ وَأَنَا لَا أَثِقُ إلَّا بِرَحْمَتِك فَاجْعَلْ لِي عَهْدًا عِنْدَك تُوفِنِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ هَلْ يَجُوزُ وَلِذَلِكَ أَصْلٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَوَادِرِ الْأُصُولِ لِلتِّرْمِذِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَهُ أَصْلٌ وَأَنَّ الْفَقِيهَ ابْنَ عُجَيْلٍ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ أَفْتَى بِجَوَازِ كِتَابَتِهِ قِيَاسًا عَلَى كِتَابَةِ اللَّهِ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَأَقَرَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قِيلَ يُطْلَبُ فِعْلُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مَقْصُودٍ فَأُبِيحَ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْكَفَنِ يس وَالْكَهْفُ وَنَحْوُهُمَا خَوْفًا مِنْ

الصفحة 12