كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

صَدِيدِ الْمَيِّتِ وَسَيَلَانِ مَا فِيهِ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا فِي نَعَمِ الصَّدَقَةِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ التَّمْيِيزُ لَا التَّبَرُّكُ وَهُنَا الْقَصْدُ التَّبَرُّكُ فَالْأَسْمَاءُ الْمُعَظَّمَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَلَا يَجُوزُ تَعْرِيضُهَا لِلنَّجَاسَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ قِيلَ يُطْلَبُ فِعْلُهُ إلَخْ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَظْهَرُ الْحُجَّةُ لَوْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ أَقَلِّ الْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ الْمُجْزِئِ مَا هُوَ وَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَمَا الزَّائِدُ عَلَى الْأَفْضَلِ وَهَلْ يَحْرُمُ الْإِسْرَافُ فِيهِ وَكَيْفَ يَكُونُ وَهَلْ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ.
وَهَلْ يَجُوزُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ هَذِهِ الْفَسَاقِي الَّتِي تُعْمَلُ وَيُدْفَنُ فِيهَا الْأَقَارِبُ قَبْلَ الْبِلَى جَائِزَةٌ وَيُجْزِئُ الدَّفْنُ فِيهَا أَمْ لَا وَمَا هِيَ الضَّرُورَةُ الْمُجَوِّزَةُ لِجَمْعِ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ وَهَلْ إذَا حُفِرَ قَبْرٌ وَوُجِدَ فِيهِ عَظْمٌ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ الدَّفْنُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَقَلُّ الْكَفَنِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَهِيَ مَا بَيْنَ سُرَّةِ الرَّجُلِ وَرُكْبَتِهِ وَغَيْرُ وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا وَلَوْ أَمَةً لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ أَجْزَأَ مِنْ حَيْثُ سُقُوطُ الْحَرَجِ عَنْ الْأَمَةِ وَإِنْ أَثِمَ الْوَرَثَةُ بِنَقْصِ الْمَيِّتِ عَنْ حَقِّهِ إذْ حَقُّهُ سَتْرُ كُلِّ بَدَنِهِ حَيْثُ خَلَّفَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَوْرَةِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَيُجْزِئُ الْكَفَنُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ لَكِنْ يَحْرُمُ الْحَرِيرُ وَنَحْوُهُ مِنْ مُزَعْفَرٍ وَكَذَا مُعَصْفَرٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ عَلَى الذَّكَرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى نَعَمْ الْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطِّينُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ لِلْحَيِّ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِازْدِرَاءِ بِالْمَيِّتِ وَلَا يُجْزِئُ أَيْضًا مُتَنَجِّسٌ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مَعَ وُجُودِ طَاهِرٍ غَيْرِ حَرِيرٍ أَمَّا الْحَرِيرُ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَكَوْنُهَا لَفَائِفَ وَمُتَسَاوِيَةً وَلِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى خَمْسَةٌ إزَارٌ ثُمَّ قَمِيصٌ ثُمَّ خِمَارٌ ثُمَّ تُلَفُّ فِي لِفَافَتَيْنِ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَوْبٍ يَسْتُرُ كُلَّ الْبَدَنِ إنْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِمَّا وُقِفَ عَلَى الْأَكْفَانِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَا وُقِفَ عَلَى تَجْهِيزِ الْمَوْتَى وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ لِأَنَّ التَّجْهِيزَ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَأَنَّ التَّجْهِيزَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى مَا يَجِبُ مِنْ الْكَفَنِ وَالدَّفْنِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ بِالزَّائِدِ عَلَى الثَّوْبِ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ بِمَا يَسْتُرُ كُلَّ الْبَدَنِ وَإِنْ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ لِتَأَكُّدِ أَمْرِ هَذَا أَيْ بِالِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا تَخْصِيصُ عُمُومِ قَوْلِهِمْ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ بِغَيْرِ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْ الثَّلَاثَةِ.
وَلَوْ اتَّفَقَ الْوَرَثَةُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَلَاثَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَوْبٍ وَلَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِهِ فِيهِمَا كُفِّنَ بِثَلَاثَةٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي الرِّجَالِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَعَلَى الْخَمْسَةِ فِيهِ فِي الْمَرْأَةِ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّهُ سَرَفٌ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهَا لَمْ يَبْعُدْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَوْ الْخَمْسَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا يَأْتِي عَنْ الْأَذْرَعِيِّ فِي الْمُغَالَاةِ فِيهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْكَفَنِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَلِذَلِكَ قَالُوا تُكْرَهُ الْمُغَالَاةُ فِيهِ وَتَكْفِينُ الْمَرْأَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا بِالْحَرِيرِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ سَرَفٌ لَا يَلِيقُ بِالْحَالِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَائِبًا أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُفْلِسًا حَرُمَتْ الْمُغَالَاةُ فِيهِ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ وَيُجْرَى مَا قَالَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا بِالْحَرِيرِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته جَوَابُ قَوْلِ السَّائِلِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْكَفَنُ فَإِنْ أَرَادَ السُّؤَالَ عَنْ صِفَتِهِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ أَبْيَضَ وَمَغْسُولًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَثَوْبُ الْقُطْنِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْكَفَنِ الْمُبَاحِ حَالُ الْمَيِّتِ فَيُكَفَّنُ الْمُوسِرُ مِنْ جِيَادِ الثِّيَابِ وَالْمُتَوَسِّطُ مِنْ أَوْسَطِهَا وَالْمُعْسِرُ مِنْ خَشِنِهَا اهـ.
وَاعْتِبَارُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ سُنَّةٌ فَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لَيْسَا سَوَاءً فِي الْكَفَنِ الْأَكْمَلِ وَأَمَّا فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا عِبْرَةَ بِإِسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ

الصفحة 13