كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

قَبْلَ مَوْتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ اُعْتُبِرَ تَقْتِيرُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْمُفْلِسِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يُجْدِي كَمَا لَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِهِ.
وَأَمَّا دَفْنُ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَإِنْ اتَّحَدَ نَوْعُهُمَا كَرَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ بِأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى وَعَسِرَ الْإِفْرَادُ فُعِلَ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ نُدِبَ تَرْكُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُكْرَهُ وَالسَّرَخْسِيُّ يَحْرُمُ قَالَ السُّبْكِيّ وَالْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ أَوْ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَأَمَّا جَمْعُ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ فِي لَحْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إنْ اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ اشْتِدَادًا حَثِيثًا كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ لَمْ يُتَمَكَّنْ إلَّا مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَالْخُنْثَى مَعَ الْأُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ الذَّكَرِ وَحَيْثُ جُمِعَ مُتَّحِدَيْ النَّوْعِ أَوْ مُخْتَلِفَيْهِ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزُ تُرَابٍ أَوْ نَحْوُهُ وَهُوَ مَنْدُوبٌ عَلَى الْأَوْجَهِ وِفَاقًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ إنْ تَعَدَّى بِجَمْعِ مُتَّحِدَيْ النَّوْعِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.
وَأَمَّا الدَّفْنُ فِي الْفَسَاقِي فَالْكَلَامُ عَلَيْهِ يَسْتَدْعِي الْكَلَامَ عَلَى أَقَلِّ الْقَبْرِ وَهُوَ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا وَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا اهـ قَالَ غَيْرُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَالْفَسَاقِي الَّتِي لَا تَكْتُمُ الرَّائِحَةَ وَتَمْنَعُ السَّبُعَ لَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السُّبْكِيّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِكَتْمِ الرَّائِحَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا قَالَ وَقَدْ أَطْلَقُوا تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ فَيَجِبُ إنْكَارُ ذَلِكَ اهـ.
وَبِتَأَمُّلِ آخِرِ كَلَامِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ حَيْثُ حُفِرَ قَبْرٌ إمَّا تَعَدِّيًا وَإِمَّا مَعَ ظَنِّ أَنَّهُ بَلِيَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ عَظْمٌ فَوُجِدَ فِيهِ عَظْمٌ رُدَّ التُّرَابُ عَلَيْهِ وُجُوبًا وَلَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِيهِ قَبْلَ الْبِلَى وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا يَحْرُمُ نَبْشُ قَبْرِ الْمَيِّتِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ قَبْلَ بَلَائِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ فَإِنْ حَفَرَ فَوُجِدَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ عَظْمِ الْمَيِّتِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَفْرِ وَجَبَ رَدُّ تُرَابِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَفْرِ جَعَلَهَا فِي جَانِبٍ مِنْ الْقَبْرِ وَجَازَ لِمَشَقَّةِ اسْتِئْنَافِ قَبْرٍ دَفْنُ الْآخَرِ مَعَهُ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ قَالُوا يَسْقُطُ فَرْضُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ رَجُلٍ فَهَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَضِيَّةِ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ لِمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يُنَافِيهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِأَهْلِيَّةِ الْفَرْضِ أَهْلِيَّةُ صِحَّةِ فِعْلِهِ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْإِسْنَوِيِّ وَقَوْلُهُ إنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَائِضًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَطَهُرَتْ بَعْدَ الْغُسْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَصْرِيحُهُمْ بِمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ سُقُوطِ فَرْضِهَا بِفِعْلِ الْمُمَيِّزِ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ قَالُوا الْأَوْلَى بِغَسْلِ الرَّجُلِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَقَدَّمُوا فِي الْمَرْأَةِ ذَوَاتَ الْأَرْحَامِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْخَالِ وَبِنْتِ الْخَالَةِ عَلَى ذَوَاتِ الْوَلَاءِ فَمَا الْفَرْقُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي التَّقْدِيمِ مَعَ الذُّكُورَةِ الْأَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُعْتِقُ أَحَقُّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْمَلْحَظُ فِي التَّقْدِيمِ مَعَ الْأُنُوثَةِ الْقُرْبُ وَذَوَاتُ الْأَرْحَامِ أَقْرَبُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ الْمُعْتِقُ أَحَقَّ بِالصَّلَاةِ مِنْ الْقَرِيبِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّ لَهُ عُصُوبَةً اقْتَضَتْ قُوَّةَ إرْثِهِ وَالْمَدَارُ فِي التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قُوَّةِ الْإِرْثِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ مُقَدَّمًا هُنَا فِي الْغَسْلِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُتَأَخِّرًا عَنْ الْمُعْتِقِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي نَظِيرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّرَفِ مَا لَا يَنْبُو عَنْ رُتْبَةِ السُّلْطَانِ بِخِلَافِ الْغَسْلِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ فَلَهُ مُبَاشَرَتُهُ بِنَفْسِهِ وَتَفْوِيضُهُ إلَى غَيْرِهِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْغَرِيبَ الْعَاصِيَ بِغُرْبَتِهِ كَالْآبِقِ وَالنَّاشِزَةِ وَالْغَرِيقَ الْعَاصِيَ بِرَكُوبِهِ الْبَحْرَ كَمَنْ رَكِبَهُ لِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ لِيَسْرِقَ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْمَيِّتُ

الصفحة 14