كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

وَتَعَرَّضَ مُنْتَسِبٌ إلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَفْتَى بِالْبُطْلَانِ وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِمَكَانِ التَّسْلِيم فَهَلْ يَأْثَمُ عَلَى ذَلِكَ لِاقْتِحَامِهِ الْبَاطِلَ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفَّقَهُ اللَّهُ مَنْعُهُ وَأَمْثَالَهُ مِنْ ذَلِكَ وَتَعْزِيرِهِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ زَجْرًا وَمَنْعًا لَهُ مِنْ الْعُودِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
وَهَلْ يَكُونُ تَعْزِيرُهُ بِالْأَشَدِّ لِعَظْمِ الْجَرَاءَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَبِالْأَخَفِّ لِخِفَّةِ الْجَرِيمَةِ وَهَلْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ التَّهْدِيدُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي آخَرِ الزَّمَانِ؟
(فَأَجَابَ) إذَا اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّ الْبَنْدَرَ اسْمَ الْمَحَلِّ مَخْصُوصٌ صَحَّ السَّلَمُ وَلَزِمَ الْمُسَلِّمَ إلَيْهِ حَمْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَجَمِيعِ مُؤْنَتِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِنْ لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ بِذَلِكَ بِأَنْ كَانَ تَارَةً يُطْلَقُ عَلَى الشَّاطِئِ وَتَارَةً يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْسَى لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ حِينَئِذٍ وَمَنْ أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فِي ذَلِكَ لَمْ يُصِبْ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَهِّلًا لِلْإِفْتَاءِ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَرَّأَ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْخَطِيرِ.
وَوَجَبَ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ زَجْرُهُ عَنْ الدُّخُولِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَإِلَّا لَزِمَهُمْ تَعْزِيرُهُ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالْأُمُورِ الْبَاطِلَة وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَطِّ عَلَى مَنْ سَلَكَ هَذَا السَّبِيلَ الْأَقْفَرَ بِغَيْرِ حَقِّهِ فَلْيَحْذَرْ مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لَهُ عَنْ أَنْ تَقُولَ لَهُ نَفْسُهُ إنَّهُ أَهْلٌ لَهُ فَيَكُونُ مُتَبَوَّأَهُ النَّارُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يُتَصَوَّرُ الصُّلْحَ عَنْ دَيْنِ السَّلَمِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَنْ الْحَبِّ الَّذِي فِي ذِمَّتِي بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إقَالَةٌ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَلَيْسَ بَيْعًا لِامْتِنَاعِهِ فِي دَيْنِ السَّلَمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ تُمْكِنُ حِيلَةٌ فِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ بِأَنْ يَتَفَاسَخَا عَقْدَ السَّلَمِ ثُمَّ يَقَعُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَيَتَعَيَّنُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَيْ لَا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مَعِيبًا بَعْدَهُ فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ عَنْ مَجْلِسِ الرَّدِّ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلِ وَإِلَّا بَطَلَ الْعَقْدُ كَمَا فِي الصَّرْفِ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يُتَصَوَّرُ صِحَّةُ الصُّلْحِ عَنْ دَيْنِ السَّلَمِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَنْ دَيْنِ السَّلَمِ الَّذِي فِي ذِمَّتِي عَلَى رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَتَكُونُ إقَالَةً لَا بَيْعًا لِامْتِنَاعِهِ فِي دَيْنِ السَّلَمِ.

[بَابُ الْقَرْضِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْحُلِيِّ الْمُجَوَّفِ كَالْأَسْوِرَةِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى اللَّحَّامِ بِالنُّحَاسِ وَغَيْرِ الْمُحْتَاجَةِ إلَيْهِ أَيَصِحُّ الْقَرْضُ فِيهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ النُّحَاسَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ اللِّحَامُ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَتَى عُلِمَ وَلَمْ يُوَرِّثْ جَهَالَةً فِي النَّقْصِ صَحَّ قَرْضُهُ وَإِلَّا فَلَا.

(وَسُئِلَ) عَنْ مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ الْأَمَانَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ إذَا مَاتَ الْعَامِلُ أَوْ الْوَدِيعُ أَوْ الْأَمِينُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ قِيمَة ذَلِكَ أَوْ مِثْلِهِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ رَدِّهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا مَاتَ أَمِينٌ وَلَمْ تُوجَدْ الْأَمَانَةُ الَّتِي تَحْت يَدِهِ أَوْ أَوْصَى بِهَا إلَى فَاسِقٍ أَوْ قَالَ هِيَ ثَوْبٌ وَلَمْ يُمَيِّزْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ صِفَةٍ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ ثَوْبًا مَثَلًا لِتَقْصِيرِهِ وَلِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ إذْ الْوَارِثُ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْيَدِ وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَيَّزَهَا فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي التَّرِكَةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً أَوْ أَوْصَى إلَى عَدْلٍ وَلَوْ وَارِثًا أَيْضًا مُمَيَّزًا أَوْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ ثُمَّ لِقَاضٍ ثُمَّ عَدْلٍ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَلَوْ وَجَدَ فِي التَّرِكَةِ مِثْلَهَا حَيْثُ لَمْ يُمَيِّزْهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا لِاحْتِمَالِ تَلَفِهَا بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهَا فِي التَّرِكَةِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ وَادَّعَى الْوَارِثُ التَّلَفَ.
وَقَالَ إنَّمَا لَمْ يُوصِ لَعَلَّ التَّلَفَ كَانَ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ أَوْ لَعَلَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ لِتَقْصِيرٍ وَادَّعَى الْمُودَعُ التَّقْصِيرَ

الصفحة 278