كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لَمْ تَسْتَقِرَّ وَالْمُسَاقَاةُ عَلَى وَدِيِّ مَغْرُوسٍ أَوْ لَيَغْرِسَهُ وَيَتَعَهَّدُهُ مُدَّةً وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا وَقَدَّرَ مُدَّةً لَا تُتَوَقَّعُ فِيهَا الثَّمَرَةُ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ يَغْرِسُهُ وَيَكُونُ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِدُخُولِهِ طَامِعًا فِي شَيْءٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَمَحَلُّ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ مِنْ رَشِيدٍ فَلَوْ صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَقْتَضِي صَحِيحَهُ الضَّمَانَ كَانَ مَضْمُونًا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الرَّهْنِ عَلَى الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ هَلْ يَصِحُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنَهُ دَيْنًا وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَان ذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ فِيمَا إذَا وَقَفَ كِتَابًا أَوْ غَيْره وَشَرَطَ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ بِلُزُومِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَا يُعَارُ إلَّا بِرَهْنٍ وَبَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَنِيَ الرَّهْنَ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ أَوْ اللُّغَوِيِّ وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ تَذْكِرَةً صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ فَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ ثُمَّ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالرَّهْنِ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ إمَّا لِأَنَّهُ خِلَافُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِمَّا لِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ صَحَّ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ مَظِنَّة ضَيَاعِهِ.
وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ الشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ اهـ وَاعْتَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلَهُ الْأَقْرَبُ صِحَّتُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَتْبَعُ اللُّغَةَ وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهُ شَرْعًا وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ رَهْنًا مَعَ كَوْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ عَيْنًا تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ لِلرَّهْنِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ وَحِينَئِذٍ فَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مُتَّجَهٌ وَيَكُونُ الْوَاقِفُ شَرَطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ شَرْطًا وَهُوَ وَضْعُ عَيْنٍ عِنْدَ النَّاظِرِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى انْقِضَاءِ غَرَضِهِ تَوْثِقَةً وَأَمْنًا مِنْ التَّفْرِيطِ فِي ضَيَاعِهِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ يُقْصَدُ شَرْعًا فَوَجَبَ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ تَضْعِيفِ بَعْضِهِمْ لِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا وَبِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّهْنِ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ التَّلَفِ وَهَذَا الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ.

(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرْهُونِ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ هَلْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْوَثِيقَةَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ مُسْتَعَارًا مِنْ مَالِكِهِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ الرَّاهِنُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ الْوَثِيقَةَ بَلْ أَكَّدَهَا بِكَوْنِ الْمَرْهُونِ صَارَ عَلَى مِلْكِهِ الْأَقْوَى مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَعَارًا لَهُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَعَارَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ كَعَتِيقَةِ وَرَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ هَلْ يَصِحُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الصِّحَّةُ فَإِنْ قُلْت: بَلْ قَضِيَّةُ بُطْلَانِ رَهْنِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ الْبُطْلَانُ هُنَا أَيْضًا تَنْزِيلًا لِلْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَلِدُخُولِ الْمَرْهُونِ فِي مِلْكِ أَصْلِهِ مَثَلًا مَنْزِلَةَ وُجُودِ الصِّفَةِ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ ثَمَّ جَرَى سَبَبُ الْعِتْقِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ وَلَمْ يَجْرِ هُنَا لِلْعِتْقِ سَبَبٌ أَصْلًا إذْ سَبَبُهُ مَوْتُ الْمُوَرِّثِ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الرَّاهِنِ وَعِتْقِهِ بِالْقَرَابَةِ وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَتَنْزِيلُ الْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيقِ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الْقَرَابَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ لَيْسَتْ سَبَبًا أَصْلًا وَإِذَا بَطَلَ تَنْزِيلُ الْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيقِ بَطَلَ تَنْزِيلُ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ مَنْزِلَةَ وُجُودِ الصِّفَةِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى إنْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَدَخَلَ الْمَرْهُونُ فِي مِلْكِ الرَّاهِنِ يُعْتَقُ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ مُوسِرًا لَا مُعْسِرًا كَإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ لِلْمَرْهُونِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مُحْتَمَلٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مُطْلَقًا رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاضِحٌ فَإِنْ قُلْت: مَا الْأَوْجَهُ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ قُلْت: الْأَوْجَهُ هُوَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا لَا مُعْسِرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إعْتَاقُهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ يَسَارِهِ فَالْإِعْتَاقُ الْقَهْرِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَى وَنُفُوذُهُ مُطْلَقًا أَقْرَبُ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِهِ مُطْلَقًا وَأَقْرَبُ مِنْهُمَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ كَمَا تَقَرَّرَ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ مَاتَ وَخَلَفَ مِيرَاثًا وَوَرَثَةً وَمِنْ

الصفحة 281