كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

الْمَبِيعَةَ وَلَا غَيْرَهَا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَرْهَنَهُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَرَهْنُ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ أَوْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ رَهْنِ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ أَشَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَمْ بَعْدَهُ فَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِلَا شَرْطٍ أَوْ مَعَ شَرْطِ مُطْلَقِ الرَّهْنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ صَغِيرٍ رَهَنَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ قَرَابَتُهُ لِعَدَمِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ فَلَمَّا بَلَغَ وَأَرَادَ فِرَاقَهُ طَالَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ هُوَ لَأَلْجَأَتْ الْحَالُ إلَى هَلَاكِهِ أَوْ لَا وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ يَدِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْقَاضِي عَلَى إجْرَاءِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ أَدَاءِ شَيْءٍ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ وَأَمَّا مَا أَنْفَقَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَشَرَطَ لَهُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا فَإِنْ أَطْعَمَهُ سَاكِنًا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ قَالَ كَانَ بِعِوَضٍ حَلَفَ الْمَالِكُ وَرَجَعَ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدَنَا عَلَى إنْكَارٍ بَلْ عَلَى إقْرَارٍ فَإِذَا وُجِدَ الْإِقْرَارُ وَتَوَافَقَا عَلَى الصُّلْحِ جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقِرَّهُمَا عَلَيْهِ.

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ مَا مَنْشَأُ اخْتِلَافِ السُّبْكِيّ وَأَهْلِ عَصْرِهِ الَّذِينَ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ فِي دَيْنِ الْوَارِثِ الْمُوجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمَقَالَتَيْنِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِالْمِثَالِ فَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ ثَمَانِينَ وَدَيْنُ الْوَارِثِ الَّذِي هُوَ الصَّدَاقُ كَذَلِكَ فَهُمْ يَقُولُونَ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثَةِ فِيمَا إذَا خَلَفَ زَوْجَةً وَابْنًا بِنِسْبَةِ إرْثِهَا الَّذِي هُوَ الثُّمْنُ فَسَقَطَ مِنْ دَيْنِهَا عَشَرَةٌ إذْ هِيَ الَّتِي يَلْزَمُهَا أَدَاؤُهَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِأَجْنَبِيٍّ وَحْدَهُ فَإِذَا أَدَّتْهَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلَى وُقُوعِ تَرَادٍّ مِنْ نَفْسِهَا بَلْ يَسْقُطُ ثُمْنُ الدَّيْنِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الزَّوْجِ إذْ لَا يُعْقَلُ الْحَجْرُ عَلَى الشَّخْصِ فِي مَالِهِ وَلَوْ مَنَعَتْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ثُمْنِ التَّرِكَةِ حِينَئِذٍ لَزِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهَا فِي مِلْكِهَا إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَمِنْ ثَمَّ قَالُوا يَسْقُطُ ثُمْنُ الدَّيْنِ يَعْنِي أَنَّ لَهَا التَّصَرُّفَ فِي ثُمْنِ التَّرِكَةِ لِاسْتِحَالَةِ الْحَجْرِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لِغَيْرِهِ.
وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ دَيْنُ الْوَارِثِ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ يَكُونَ ثَمَانِينَ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سُقُوطُ ثُمْنِ الدَّيْنِ وَهُوَ يَقُولُ السَّاقِطُ مِنْ دَيْنِ الزَّوْجَةِ مَا يَلْزَمُهَا أَدَاؤُهُ لَوْ كَانَتْ الثَّمَانُونَ لِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَقَطْ فَهِيَ السَّاقِطَةُ مِنْ دَيْنِهَا وَيُقَدَّرُ أَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْهَا ثُمَّ أُعِيدَتْ لَهَا مِنْ الدَّيْنِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ زَعْمِهِمْ سُقُوطَ الْجَمِيعِ إذْ لَوْ كَانَ لِابْنِهِ الْحَائِزِ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعُونَ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَسْقُطَ الْجَمِيعُ لِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ يَسْقُطُ قَدْرُ إرْثِهِ وَقَدْرُ إرْثِهِ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَسُقُوطُ جَمِيعِهِ لَا قَائِلَ بِهِ وَهُوَ يَقُولُ إنَّمَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْحَائِزِ أَرْبَعُونَ لِأَنَّهَا الَّتِي يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِأَجْنَبِيٍّ إذْ وُجُوبُ قَضَائِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ.
وَإِذَا سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ أَرْبَعُونَ بَقِيَتْ ذِمَّةُ الْمُوَرِّثِ مَشْغُولَةً بِأَرْبَعِينَ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِهَا إذَا لَمْ يُبَرِّئْهُ الْوَارِثُ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ وَهِيَ ثَمَانُونَ فَهَذِهِ وَمَسْأَلَةُ اسْتِوَائِهِمَا لَا اخْتِلَافَ فِيهَا لِأَنَّهُ هُوَ وَهُمْ يَقُولُونَ فِي صُورَةِ الزَّوْجَةِ السَّابِقَةِ إنَّ السَّاقِطَ خَمْسَةٌ لَا غَيْرُ فَلَمْ يَبْقَ اعْتِرَاضُهُ عَلَيْهِمْ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ وَكَلَامُهُ هُوَ الْحَقُّ وَلَيْسَ مَعْنَى السُّقُوطِ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى لَا يَجِبُ إلَّا قَضَاءُ سَبْعَةِ أَثْمَانِ الصَّدَاقِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولهُ هُوَ وَلَا هُمْ بَلْ سُقُوطٌ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَارِثِ فِي مِقْدَارِ إرْثِهِ لِاسْتِحَالَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ لِغَيْرِهِ.
فَقَوْلُ السُّبْكِيّ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِمَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا كَثَمَانِينَ وَثَمَانِينَ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِي عَشَرَةٍ لَا فِي سَبْعِينَ إلَّا إنْ أَدَّاهَا إلَيْهَا الْوَرَثَةُ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِقْلَالِ بِالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا عَدَا حِصَّتَهَا وَقَدْ يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنَانِ لِكُلٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ ثَمَانِينَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقْضِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عِشْرِينَ وَيَسْتَبِدَّ الدَّائِنُ بِقَبْضِ عِشْرِينَ لِأَنَّهُ إذَا طَالَبَهُ بِعِشْرِينَ

الصفحة 287