كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

يُنَحَّى السَّابِقُ لَهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يُنَحَّى السَّابِقُ لِلْمَسْبُوقِ وَلَوْ نَبِيًّا لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مَالِكُ طَعَامٍ اُضْطُرَّ إلَيْهِ بَذْلُهُ لِنَبِيٍّ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ بَقَاءَ نَفْسِ النَّبِيِّ أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ نَفْسِ غَيْرِهِ فَيُحْتَمَلُ قِيَاسُ ذَلِكَ بِهَذَا فَيَتَقَدَّمُ النَّبِيُّ عَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بِأَنَّ فَوَاتَ نَفْسِ النَّبِيِّ لَا خَلَفَ لَهُ فَفِيهِ مَفْسَدَةٌ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكَهَا لَوْ قُدِّمَ الْمَالِكُ عَلَيْهِ وَأَمَّا تَقَدُّمُ السَّابِقِ فَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ أُوثِرَ بِفَضِيلَةٍ اسْتَحَقَّهَا بِسَبْقِهِ وَهِيَ الْقُرْبُ مِنْ الْإِمَامِ وَهَذِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا إلَّا غَيْرُ النَّبِيِّ وَأَمَّا النَّبِيُّ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا إذْ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ إلَّا مُجَرَّدُ قُرْبٍ مِنْ الْإِمَامِ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِعَلِيٍّ مَقَامِهِ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ أَمْرٍ فَلَمْ يُفَوَّتْ عَلَى السَّابِقِ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِهِ دُونَ النَّبِيِّ الْمَسْبُوقِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِأَقْوَامٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَوَضَعُوا تَرِكَتَهُ فِي حَاصِلٍ وَخَتَمَ الْقَاضِي عَلَيْهَا فَجَاءَ وَلَدُهُ فَقَالَ لَهُمْ مَكِّنُونِي مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا تَعْرِفُوا الْمَالَ إلَّا مِنِّي وَأُوفِيكُمْ جَمِيعَ الدُّيُونِ إلَى الزَّمَنِ الْفُلَانِيِّ فَمَكَّنُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَتَبُوا عَلَيْهِ الدُّيُونَ فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى التَّرِكَةِ فَتَصَرَّفَ فِيهَا فَأَعْطَاهُمْ لَا عَلَى نِسْبَةِ دُيُونِهِمْ ثُمَّ هَرَبَ وَبَقِيَتْ لَهُمْ فَضَلَاتٌ مِنْ دُيُونِهِمْ وَمِنْ الدَّيَّانِينَ شَخْصٌ كَانَ غَائِبًا حِينَ الْمَوْتِ وَتَمْكِينِ الْوَلَدِ مِنْ التَّرِكَةِ وَمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَإِعْطَائِهِ لَهُمْ مَا ذَكَرَ أَيْضًا فَهَلْ يَسْرِي جَمِيعُ مَا فَعَلُوهُ عَلَى هَذَا الْغَائِبِ وَيُحْرَمُ مِنْ أَخْذِ مَا يَخُصُّ دَيْنَهُ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلُوهُ بَاطِلٌ بِالنِّسْبَةِ لِحِصَّتِهِ فَيَرْجِعُ بِقَدْرِهَا عَلَى مَنْ خَصَّهُ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ وَارِثَ الْمَيِّتِ إذَا سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَحْتَالُوا عَلَيْهِ لِيَصِيرَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ جَازَ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يُسْتَأْخَرُ سَأَلَ أَيْ وَلِيُّهُ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ وَأَرْضَاهُمْ مِنْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ انْتَهَتْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمْ عَلَى مَصِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَوَاعِدِ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَأَوْا هَذِهِ الْحَوَالَةَ جَائِزَةً مُبْرِئَةً لِلْمَيِّتِ فِي الْحَالِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ اهـ وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ وَاضِحٌ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَفِي الْخَادِمِ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ مُبْرِئَةٌ لِلذِّمَّةِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ بِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمَيِّتِ أَيْ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَارِثَ الْمَذْكُورَ لَمَّا سَأَلَهُمْ فِي أَنْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَنْ لَا يَعْرِفُوا الْمَالَ إلَّا مِنْهُ فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ وَرَضُوا بِذِمَّتِهِ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ فِي الْحَالِ وَصَارَتْ دُيُونُهُمْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّةِ الْوَارِثِ وَيَلْزَمُ مِنْ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْ دُيُونِهِمْ انْفِكَاكُ التَّرِكَةِ عَنْ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِدُيُونِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ الرَّاضِينَ بِذِمَّةِ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ بَلْ جَمِيعُهَا بَاقٍ عَلَى رَهْنِيَّتِهِ بِدَيْنِ الْغَائِبِ فَيَرْجِعُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا بِهِ حَتَّى يُسْتَوْفَى جَمِيعُ دَيْنِهِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهَا أَوْ نَاقِصًا عَنْهَا وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يُسْتَوْفَى جَمِيعُ دَيْنِهِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِذِمَّةِ الْوَارِثِ فَالتَّرِكَةُ مَرْهُونَةٌ بِحُقُوقِهِمْ وَحَقِّ الْغَائِبِ فَإِذَا اقْتَسَمُوهَا فِي غَيْبَتِهِ رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ فَيُشَارِكُهُ بِالْحِصَّةِ فِيمَا أَخَذَهُ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا فَفِي بَدَلِهِ وَإِنْ أَعْسَرَ بَعْضُهُمْ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَشَارَكَ غَيْرَهُ ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ هَذَا الْمُعْسِرُ طَالَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْحِصَّةِ وَلَوْ انْتَقَلَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ رَجَعَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِالْحِصَّةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِنِسْبَةِ دَيْنِهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ فِي حِصَّتِهِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَهُمْ لِوَضْعِ يَدِهِمْ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ غَاصِبُونَ أَوْ كَالْغَاصِبِينَ لَهَا فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى إذَا لَمْ يَسْتَحِقُّوا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ تَكْفِينُ زَوْجَتِهِ

الصفحة 5