كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

بِجَدِيدٍ كَالْكِسْوَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِاللَّبِيسِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ كَبَّنَ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْأَوَّلُ لِاعْتِبَارِهِمْ ذَلِكَ بِحَالِ الْحَيَاةِ وَلَيْسَ الْمَلْحَظُ هُنَا كَالْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً وَهُنَا بِمَا كَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ حَالَ الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ تَجْهِيزِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً وَعَدَمِ وُجُوبِهَا إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(سُئِلْت) فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ كَتَبَ هَذَا الدُّعَاءَ وَجَعَلَهُ بَيْنَ صَدْرِ الْمَيِّتِ وَكَفَنِهِ فِي رُقْعَةٍ لَمْ يَنَلْهُ عَذَابُ الْقَبْرِ وَلَا يَرَى مُنْكَرًا وَنَكِيرًا وَهُوَ هَذَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يُكْتَبُ مِنْ التَّسْبِيحِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ إنَّهُ مَشْهُورُ الْفَضْلِ وَالْبَرَكَةِ مَنْ كَتَبَهُ وَجَعَلَهُ بَيْنَ صَدْرِ الْمَيِّتِ وَكَفَنِهِ لَا يَنَالُهُ عَذَابُ الْقَبْرِ وَلَا يَنَالُهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَلَهُ شَرْحٌ عَظِيمٌ وَهُوَ دُعَاءُ الْأُنْسِ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ بِالْجَلَالِ مُوَحَّدٌ وَبِالتَّوْحِيدِ مَعْرُوفٌ وَبِالْمَعَارِفِ مَوْصُوفٌ وَبِالصِّفَةِ عَلَى لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ رَبٌّ بِالرُّبُوبِيَّةِ لِلْعَالَمِ قَاهِرٌ وَبِالْقَهْرِ لِلْعَالَمِ جَبَّارٌ وَبِالْجَبَرُوتِ عَلِيمٌ حَلِيمٌ وَبِالْحِلْمِ وَالْعِلْمِ رَءُوفٌ رَحِيمٌ سُبْحَانَهُ كَمَا يَقُولُونَ وَسُبْحَانَهُ كَمَا هُمْ يَقُولُونَ تَسْبِيحًا تَخْشَعُ لَهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهِمَا وَيَحْمَدُنِي مَنْ حَوْلَ عَرْشِي اسْمِي اللَّهُ وَأَنَا أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ.
وَقَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ إذَا كُتِبَ هَذَا الدُّعَاءُ وَجُعِلَ مَعَ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَهُوَ هَذَا اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالَمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ إنِّي أَعْهَدُ إلَيْك فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنَّك إنْ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ وَإِنِّي لَا أَثِقُ إلَّا بِرَحْمَتِك فَاجْعَلْهُ لِي عِنْدَك عَهْدًا تُؤْتِنِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَقَالَ أَيْضًا مَنْ كَتَبَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ إلَى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَهُوَ هَذَا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك يَا عَالَمَ السِّرِّ يَا عَظِيمَ الْخَطَرِ يَا خَالِقَ الْبَشَرِ يَا مُوقِعَ الظَّفَرِ يَا مَعْرُوفَ الْأَثَرِ يَا ذَا الطَّوْلِ وَالْمَنِّ يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالْمِحَنِ يَا إلَهَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَرِّجْ عَنِّي هُمُومِي وَاكْشِفْ عَنِّي غُمُومِي وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ اهـ مَا قَالَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ فَهَلْ مَا نَقَلَهُ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يُكْتَبَ وَيُحْفَظَ عَنْ الصَّدِيدِ وَأَنْ لَا يُحْفَظَ عَنْهُ.
(فَأَجَبْت) بِقَوْلِي لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَلَا مُعْتَمَدٍ فَقَدْ أَفْتَى الْإِمَامُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَفَنِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ صَدِيدِ الْمَوْتَى وَمِثْلُ ذَلِكَ الْكِتَابُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ كِتَابَ الْعُهْدَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَأَقَرَّ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى جِدًّا فَإِنَّ الْقُرْآنَ وَكُلَّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ كَاسْمِ اللَّهِ أَوْ اسْمِ نَبِيٍّ لَهُ يَجِبُ احْتِرَامُهُ وَتَوْقِيرُهُ وَتَعْظِيمُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ كِتَابَتَهُ وَجَعْلَهُ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ فِيهِ غَايَةُ الْإِهَانَةِ لَهُ إذْ لَا إهَانَةَ كَالْإِهَانَةِ بِالتَّنْجِيسِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَا فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُصِيبَهُ بَعْضُ دَمِهِ أَوْ صَدِيدِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ الَّتِي بِجَوْفِهِ فَكَانَ تَحْرِيمُ وَضْعِ مَا كُتِبَ فِيهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِيهِ.
وَأَمَّا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ فَيَتَوَقَّفُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى صِحَّةِ سَنَدِهِ بَلْ لَوْ فُرِضَ صِحَّةُ سَنَدِهِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ نَصُّوا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَاهُ فَيَكُونُ إعْرَاضُهُمْ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ فِيهِ كَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمَعْلُومَةِ الَّتِي لَا نِزَاعَ فِيهَا وَهِيَ أَنَّ تَنْجِيسَ اسْمِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ فِيهِ إهَانَةٌ لَهُ وَإِهَانَتُهُ مُحَرَّمَةٌ فَيَكُونُ السَّبَبُ إلَى ذَلِكَ مُحَرَّمًا نَعَمْ إنْ فُرِضَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ جُعِلَ فِي مَحِلٍّ مِنْ الْقَبْرِ بِحَيْثُ أُمِنَ عَلَيْهِ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّدِيدِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَبْعُدْ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ حِينَئِذٍ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ السَّابِقَةِ عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُجْدِي شَيْئًا لِأَنَّ الشَّرْطَ كَمَا ذُكِرَ عَنْ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يُوضَعَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ فَوَضْعُهُ خَارِجَ الْكَفَنِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وُضِعَ فِي الْكَفَنِ كَانَ فِيهِ تَسَبُّبٌ إلَى تَنْجِيسِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَرَّرَ وَبَانَ وَظَهَرَ حُرْمَةُ ذَلِكَ وَإِنْ وُضِعَ خَارِجَ الْكَفَنِ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا لِأَنَّ ذَلِكَ الثَّوَابَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ مَشْرُوطٌ بِوَضْعِهِ فِي الْكَفَنِ فَالصَّوَابُ عَدَمُ كِتَابَةِ ذَلِكَ وَعَدَمُ

الصفحة 6