كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 2)

حِينًا فَيَأْتِي الْخَبَرُ بِأَنَّ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ قَدْ مَاتَ فَنَرَى أَنَّ تِلْكَ الرَّائِحَةَ مِنْهُ» .

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَعْرِفُ الْمَيِّتُ مَنْ يَزُورُهُ وَيَفْرَحُ بِذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ حَدِيثًا أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِيهِ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ السَّلَامَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهُ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ الْمَيِّتِ هَلْ يَرَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَالُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْحُضُورِ وَقَدْ يَمُوتُ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَيُقَالُ ذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَيْفَ هَذَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُرَادُ بِهِ ذَاتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُؤْيَتُهَا بِالْعَيْنِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ قُدْرَةِ اللَّهِ إذْ النَّاسُ يَمُوتُونَ فِي الزَّمَانِ الْفَرْدِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بُعْدًا وَقُرْبًا كُلُّهُمْ يَرَاهُ قَرِيبًا مِنْهُ لِأَنَّ لَفْظَةَ هَذَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْقَرِيبِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رُؤْيَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَقْطَارِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بِصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ وَدَلِيلُهُ عَقْلًا أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَاتَهُ الشَّرِيفَةَ كَالْمِرْآةِ كُلٌّ يَرَى فِيهِ صُورَتَهُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ وَالْمِرْآةُ عَلَى حَالِهَا مِنْ الْحُسْنِ لَمْ تَتَبَدَّلْ.
وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ وَالْآخِرَةِ عَلَى خِلَافِ عَالَمِ الدُّنْيَا فَيَنْحَصِرُ الْإِنْسَانُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا الْأَوْلِيَاءَ كَمَا نُقِلَ عَنْ قَضِيبِ الْبَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ رُئِيَ فِي صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ رُوحَانِيَّتَهُمْ غَلَبَتْ عَلَى جُسْمَانِيَّتِهِمْ فَجَازَ أَنْ يَظْهَرَ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَالَ وَهَلْ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» وَقَالُوا إنَّ الرُّوحَ إذَا كَانَتْ كُلِّيَّةً كَرُوحِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا تَظْهَرُ فِي سَبْعِينَ أَلْفِ صُورَةٍ اهـ وَهُمْ أَصْحَابُ كَشْفٍ وَاطِّلَاعٍ فَيُسَلَّمُ لَهُمْ مَا قَالُوهُ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ عَذَابُ الْقَبْرِ عَلَى الرُّوحِ وَالْجَسَدِ أَمْ عَلَى أَحَدِهِمَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ إلَى أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْمُكَلَّفَ فِي قَبْرِهِ وَيَجْعَلُ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ مِثْلَ مَا عَاشَ عَلَيْهِ لِيَعْقِلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ وَيُجِيبَ عَنْهُ وَمَا يَفْهَمُ بِهِ مَا أَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ وَمَا أُعِدَّ لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنْ كَرَامَةٍ وَهَوَانٍ وَبِهَذَا نَطَقَتْ الْأَخْبَارُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى الرُّوحِ وَالْجَسَدِ.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ هَلْ يُغْرَسُ الرَّيْحَانُ وَنَحْوُهُ عَلَى مَنْزِلِ الْقَبْرِ أَوْ قَافِيَةِ اللَّحْدِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اسْتَنْبَطَ الْعُلَمَاءُ مِنْ غَرْسِ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْرِ غَرْسَ الْأَشْجَارِ وَالرَّيَاحِينِ عَلَى الْقَبْرِ.
وَلَمْ يُبَيِّنُوا كَيْفِيَّتَهُ لَكِنْ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ غَرَسَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً فَشَمِلَ الْقَبْرَ كُلَّهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِأَيِّ مَحِلٍّ مِنْهُ نَعَمْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ الْجَرِيدَةَ عَلَى الْقَبْرِ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ» .

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ كَيْفَ يَدْرِي الْمَيِّتُ بِوُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ وَهَلْ الْأَنْفَعُ الصَّدَقَةُ أَوْ الْقِرَاءَةُ أَوْ تَسْبِيلُ الْمَاءِ أَوْ الْأَكْلِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا عَدَمُ وُصُولِ الْقِرَاءَةِ إلَى الْمَيِّتِ إلَّا إنْ قُرِئَ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ بِنِيَّتِهِ وَدَعَا عَقِبَهَا وَكَيْفِيَّةُ الْوُصُولِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ لَكِنْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مَنَامَاتٍ تَدُلُّ عَلَى وُصُولِ نُورِهِ وَغَيْرِهِ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُصُولِهَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ إذْ لَا خِلَافَ فِي وُصُولِهَا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي الْمَحِلِّ الْمُتَصَدَّقِ فِيهِ أَكْثَرَ وَتَارَةً يَكُونُ الْمَاءُ وَتَارَةً يَكُونُ الْخُبْزُ وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرُهُمَا.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَمَّا إذَا نُقِلَ الْجَسَدُ مِنْ الْقَبْرِ هَلْ تَنْتَقِلُ مَعَهُ الرُّوحُ وَهَلْ الْأَوَّلُ تُرَابُ الْمَيِّتِ أَوْ الثَّانِي.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَنْتَقِلُ مَعَهُ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ لَا لِلْقَبْرِ وَالثَّانِي لَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ كُلًّا تُرَابُهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مُغَيًّا بِوَقْتٍ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا دُفِنَتْ الرَّقَبَةُ فِي مَكَان وَالْجُثَّةُ فِي آخَرَ فَأَيْنَ تَكُونُ الرُّوحُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنْ إنْ قُلْنَا فِي الْجُثَّةِ فَظَاهِرٌ أَوْ عَلَى الْقَبْرِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَفْتَى بِذَلِكَ فَقَالَ الرُّوحُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً جَسَدَ الْمَيِّتِ لَكِنْ لَهَا بِهِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ اتِّصَالٌ مُسْتَمِرٌّ فَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْجَسَدِ وَالرَّأْسِ اتَّصَلَتْ الرُّوحُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا

الصفحة 9