كتاب بدائع السلك في طبائع الملك (اسم الجزء: 2)

ينزلنا بعض بِلَادنَا وَإِنَّمَا أنزلنَا بعض بِلَاده وَلم يَأْمُرنَا أَن نسيء بِعَبْدِهِ فَكيف يحسن للْعَبد أَن يسيء إِلَى عبد مثله وَمَا أرى النِّعْمَة عِنْد أحد أوفر مِنْهَا عندنَا أهل الْبَيْت وَلَا الشُّكْر على أحد أوجب مِنْهُ علينا وَلست أَرْجُو الله بقبيح الْمعْصِيَة إِنَّمَا أرجوه بِحسن الطَّاعَة وَقد أريتني بعض مَا تصنع وسأريك بعض مَا أصنع وأتاني عَنْك بعض مَا أكره وَلنْ ترى إِلَّا مثله وَقد بعثت إِلَيْك الْغَوْث بن غياث وأمرته بإيقافك للنَّاس ومجازاتك مَا أفرطت حَذْو النَّعْل بالنعل والقذة بالقذة وَمَا أُرِيد إِلَّا الْحق فَإِن جاوزته فَأَنا أَحَق بالعقوبة مِنْك وَلِأَن ألْقى الله وَأَنت ساخط بِمَا أصنع وَهُوَ رَاض بِهِ أحب إِلَيّ من أَن أَلْقَاهُ وَقد أسخطته وَأَنت عني رَاض
فَلَمَّا انْتهى الْغَوْث إِلَى الْعَامِل أَقَامَهُ النَّاس فَإِذا الَّذِي قيل عَنهُ بَاطِل وَإِذا الْعَامِل عَنهُ غافل وَذَلِكَ أَنه كَانَ صَحِيحا فِي أمره لَا يَأْخُذ فِيهِ إِلَّا بالشدة وَلَا يعرف إِلَّا بِالصِّحَّةِ وَكَانَ الْغَوْث ذَا دهاء وَنظر فَقَالَ وَالله لأنظر من أَيْن هَذِه الشكوى الَّتِي لَيْسَ لَهَا أصل يُوصف وَلَا فرع يعرف
فَسَأَلَ عَن الْعَامِل فِي السِّرّ من يخبر أمره فأخبروه بِأَنَّهُ مَمْلُوء كبرا وَأَنه لَا ينْطق إِلَّا نزرا وَلَا ينظر إِلَّا شزرا كَأَن لَهُ عَلَيْهِم منَّة أَو بَينه وَبينهمْ احنة فَقَالَ الْغَوْث من هَا هُنَا أَتَى وَكتب إِلَى تبع يُعلمهُ بذلك وأعلمه أَنه أطلق عَلَيْهِ الألسن وأشخص إِلَيْهِ الْأَعْين وألب عَلَيْهِ النَّاس
فَأتوهُ من كل أَوب يقذفونه بِكُل عيب فَلم يثبت عَلَيْهِ من ذَلِك كثير يعذب عَلَيْهِ وَلَا قَلِيل يعْزل فِيهِ سوى تكبر قد مقت لَهُ وتجبر قد عيب بِهِ وفظاظة قد أحنقت بهم عَلَيْهِ فَأَجْمعُوا لَهُ على البغض فسبوه سرا ومقتوه جَهرا ونسبوه فِي كل أَمر إِلَى غَايَة الْفَحْشَاء

الصفحة 13