كتاب بدائع السلك في طبائع الملك (اسم الجزء: 2)

قلت وَلَيْسَ هَذَا لأجل السَّلامَة من النَّاس فَقَط بل ولمفسدة الْكَلَام مَعَهم بِمَا لَا يفهمون وَالنَّهْي عَنهُ مُقَرر فِي موَاضعه واقل مَا فِيهِ حَدِيث السَّلامَة من الْقدح فِي الدّيانَة مَا اشار اليه ابْن الرُّومِي فِي قَوْله
(غموض الْأَمر حِين يذب عَنهُ ... يقلل نَاظر القَوْل المحق)
(تجل عَن الدَّقِيق عقول قوم ... فَيَقْضِي للمجل من المدق)
الثَّالِث ذكر أَسمَاء الفلاسفة فضلا عَن الْخَوْض فِي شَيْء فِي علومهم فِي مَلأ من النَّاس أَو مَعَ وَاحِد مِنْهُم
قلت وَلَا يفهم من هَذَا التحفظ انه لمُجَرّد سد بَاب التُّهْمَة خَاصَّة بل الْحق أَن الفلسفة مَعَ مضرتها بِالدّينِ بَاطِلَة فِي نَفسهَا لما تقرر إِنَّهَا غير وافية بِالْقَصْدِ الْمُدَّعِي فِيهَا وَلَا كَافِيَة فِي معرفَة السَّعَادَة الْمَوْعُود بهَا بعد الْمَوْت والناظر فِيهَا بِشَرْطِهِ لَهُ غَرَض آخر غير مَا يظنّ من حسن فِيهَا الِاعْتِقَاد وضل بهَا عَن سَوَاء السَّبِيل وَبسط ذَلِك لَا يَلِيق بالموضع
الْأَمر الثَّانِي الْخَوْض فِي السُّلْطَان وَذَلِكَ بِأحد اسباب مهلكة
أَحدهَا ذكره بِسوء فِي نَفسه أَو فِيمَا هُوَ من سَببه أَن كَانَ حَقًا وَمن مُبَالغَة التحفظ فِي ذَلِك أَن يعلم مِنْك انك لَا تَأْخُذ فِي شَيْء من ذمه كَأَنَّهُ لَيْسَ فِي طباعك إِلَّا مَعَ ثِقَة وَقَلِيل مَا هم الثَّانِي مُشَاهدَة المواطن الْمَذْكُور فِيهَا بِمَا يكره وَمن الْوَاجِب فِي ذَلِك أَن يبعد فِي الْهَرَب والبعد على الْمُشَاركَة طلبا للسلامة
الثَّالِث مصاحبة الْمُتَّهم عِنْده باضمار الانحراف عَنهُ أَو يتَوَقَّع مصيره إِلَى ذَلِك خوف أَن يظنّ بِهِ مثل ذَلِك إِذْ الْمَرْء على دين خَلِيله
الْخطر الثَّانِي الْمُفْسد وَذَلِكَ امران أَحدهَا وَهُوَ اشهدهما سبّ النَّاس والتعرض لَهُم فَإِنَّهُ جالب عدواتهم ومثير مطالبتهم بالمعارضة عَلَيْهَا
قلت وَمن كَلَام مَالك رَحمَه الله ادركت اقواما كَانَت لَهُم عُيُوب فَسَكَتُوا عَن عُيُوب النَّاس فَسكت النَّاس عَن عيوبهم وادركت اقواما لم تكن لَهُم عُيُوب فتكلموا فِي النَّاس فأحدث النَّاس لَهُم عيوبا
وَصِيَّة
قَالُوا وَلَا تقارض عَلَيْهِ من واجهه بِهِ فالدنيا احقر والعمر اقصر من اشْتِغَال رفيع الهمة بعداوة من السب ارْفَعْ مِنْهُ بعداوة من واجهه بِمَا يكره
قلت وَقد سبق فِي الْمُقدمَة الثَّامِنَة مَا قرر الْخطابِيّ فِي ذَلِك
الثَّانِي كلمة سخيفة يسْقط بهَا قَائِلهَا وان لم يعد على أحد والسلامة مِنْهَا وَمن كل كَلَام ضار إِنَّمَا هُوَ بأمرين قِرَاءَة الاداب الدَّالَّة على فرق مَا

الصفحة 457