كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 2)
صراحة لأدى ذلك إلى عدم انعقاد الإجماع أبدا؛ لأنه يتعذر اجتماع أهل كل عصر على قول يسمع منهم، والمتعذر معفو عنه؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬1) والمعتاد في كل عصر أن يتولى كبار العلماء إبداء الرأي، ويُسلِّم الباقون لهم، فثبت بذلك: أن سكوت الباقين دليل على أنهم موافقون على قول من أعلن رأيه في المسألة، فكان إجماعا وحجة.
الدليل الثاني: الوقوع: وذلك أن المجتهدين من التابعين إذا حدثت حادثة بينهم، ولم يجدوا حكما لها في نص، ووجدوا قولا فيها لصحابي، وعلموا أن هذا القول قد انتشر وسكت بقية الصحابة عن الإنكار، فإن التابعين لا يُجوِّزون العدول عن ذلك القول، بل يعملون به؛ بناء على أنه قول قد أجمع عليه.
الدليل الثالث: أنه قد وقع الإجماع على أن السكوت عن رضا معتبر في المسائل الاعتقادية، فيقاس عليها المسائل الاجتهادية؛ لأن الحق في الموضعين واحد (¬2).
القول الثاني: أنه ليس بإجماع ولا حجة. وهذا القول نسبه إلى الإمام الشافعي كثير من الشافعية، وهو اختيار الغزالي (¬3) والرازي وابن حزم (¬4).
¬__________
(¬1) الحج: الآية (78).
(¬2) ينظر في هذه الأدلة وغيرها عدا المراجع السابقة: "العدة" (4/ 1172)، "التبصرة" (ص 392)، "المعتمد" (2/ 539)، "حجية الإجماع" (ص 359)، "المهذب في أصول الفقه المقارن" (2/ 934 - 935)، "حجية الإجماع السكوتي" (ص 253 - 256)، "بحث منشور في مجلة الحكمة العدد" (30).
(¬3) محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي الطوسي، ولد عام (450 هـ) يلقب بحجة الإسلام، كان أفقه أقرانه، وإمام أهل زمانه، شديد الذكاء، سديد النظر، مفرط الإدراك، قوي الحافظة، درَّس بالمدرسة النظامية ببغداد، ثم تركها وأقبل على التصنيف والعبادة ونشر العلم، من آثاره: "المستصفى"، "النهاية"، "الوسيط"، "الوجيز" "إحياء علوم الدين". توفي عام (505 هـ). "طبقات الشيرازي" (ص 248)، "طبقات ابن الصلاح" (1/ 249)، "طبقات ابن شهبة" (1/ 294).
(¬4) "المستصفى" (1/ 191 - 192)، "الإحكام" للآمدي (1/ 252)، "المحصول" (2/ 1/ 215)، "الإحكام" لابن حزم (4/ 531).