كتاب حاشية السندي على سنن ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

الْعِبَادَةِ فِي مَوْضِعِ الدُّعَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ.
3829 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ الدُّعَاءِ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَزَّ وَجَلَّ) " أَكْرَمَ " مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ وَعَلَى اللَّهِ بِمَعْنَى عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ أَكْرَمَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْقَوْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ سَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ يُعْتَبَرُ فِي بَابِهِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] كَذَا قِيلَ: قُلْتُ وَالْإِشْكَالُ بِنَحْوِ: أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ قَوْلُهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَحَبُّ الْأَذْكَارِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْحَدِيثُ بَاقٍ بَعْدُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الذِّكْرَ مُنْدَرِجٌ فِي الدُّعَاءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى بَعْضِ الْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْفَضْلِ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُرَادَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ مُطْلَقِ الْقَوْلِ أَكْرَمَ فَيَصِيرُ حَاصِلُ الْحَدِيثِ أَنَّ الذِّكْرَ أَكْرَمُ مِنْ مُطْلَقِ الْقَوْلِ، وَهَذَا مَعْنَى لَا يُنَاسِبُ مَتَانَةَ الْكَلَامِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَكْرَمَ أَسْرَعَ قَبُولًا وَأَنْفَعَ تَأْثِيرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالدُّعَاءِ الدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَكْرَمُ الْأَعْمَالِ هُوَ الْهِدَايَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ وَظِيفَةُ الرُّسُلِ وَالْعُلَمَاءِ النَّائِبِينَ عَنْهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى صَحِيحٌ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ إِشْكَالٌ فَتَأَمَّلْ.
[باب دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
3830 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ فِي مَجْلِسِ الْأَعْمَشِ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجَمَلِيُّ فِي زَمَنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُكَتِّبِ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا لَكَ ذَكَّارًا لَكَ رَهَّابًا لَكَ مُطِيعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي» قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الطَّنَافِسِيُّ قُلْتُ لِوَكِيعٍ أَقُولُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ قَالَ نَعَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (رَبِّ أَعِنِّي) أَيْ: عَلَى الْأَعْدَاءِ (وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ) أَيِ: الْأَعْدَاءَ (وَامْكُرْ لِي) مَكْرُ اللَّهِ إِيقَاعُ بَلَائِهِ بِأَعْدَائِهِ دُونَ أَوْلِيَائِهِ، وَقِيلَ: وَاسْتِدْرَاجُ الْعَبْدِ بِالطَّاعَاتِ فَيَتَوَهَّمُ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَهِيَ مَرْدُودَةٌ، وَالْمَعْنَى أَلْحِقْ مَكْرَكَ بِأَعْدَائِي لَا بِي (رَهَّابًا بِكَ) أَيْ: خَوَّافًا خَاشِعًا بِالْمُبَالَغَةِ (مُخْبِتًا) مِنَ الْإِخْبَاتِ وَهُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ (أَوَّاهًا) أَيْ: مُتَضَرِّعًا،

الصفحة 429