كتاب حاشية السندي على سنن ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ الْمُشْتَبِهَاتُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَلَالَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ بَيِّنٌ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَنَاوُلُهُ وَكَذَلِكَ الْحَرَامُ بِأَنَّهُ يَضُرُّ تَنَاوُلُهُ وَيَخْرُجُ عَنِ الْوَرَعِ وَيَقْرُبُ إِلَى تَنَاوُلِ الْحَرَامِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» اعْتِذَارٌ لِتَرْكِ ذِكْرِ حُكْمِهِمَا (مُشْتَبِهَاتٌ) سَبَبُ تَجَاذُبِ الْأُصُولِ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا أَصْلُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِيهَا (اسْتَبْرَأَ) بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ اسْتَفْعَلَ مِنَ الْبَرَاءَةِ، أَيْ: طَلَبَ لِدِينِهِ الْبَرَاءَةَ مِنَ النُّقْصَانِ وَلِعِرْضِهِ مِنَ الْعَيْبِ وَالطَّعْنِ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) أَيْ: كَادَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ (حَوْلَ الْحِمَى) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْقَصْرِ أَرْضٌ يَحْمِيهَا الْمُلُوكُ وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنِ الدُّخُولِ فِيهَا فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْ وَقَعَ فَلَهُ الْعُقُوبَةُ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا عَنِ الْوُقُوعِ فِيهِ، وَالْمَحَارِمُ كَذَلِكَ يُعَاقِبُ اللَّهُ عَلَى ارْتِكَابِهَا، فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُهَا بِالْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ (يُوشِكُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ، أَيْ: يَقْرَبُ لِأَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ التَّسَاهُلُ وَيَتَمَرَّنَ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ أُخْرَى أَغْلَظَ مِنْهَا وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ قَوْلُهُ: (مُضْغَةً) أَيْ: قَدْرَ مَا يُمْضَغُ (صَلَحَتْ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَلَيْسَ فِي فَسَدَتْ إِلَّا الْفَتْحُ وَعُبِّرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ (أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّيَّةِ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ الْأَعْمَالِ وَفَسَادُهَا، وَأَيْضًا هُوَ الْأَمِيرُ وَالْمَلِكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَامِّ الْجَسَدِ وَالرَّعِيَّةُ تَابِعَةٌ لِلْمَلِكِ، النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ.
3985 - حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (فِي الْهَرْجِ) بِفَتْحٍ وَسُكُونٍ، أَيْ: فِي أَيَّامِ الْفِتَنِ وَظُهُورِ الْعِنَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ.
[باب بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا]
3986 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (بَدَا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِلَا هَمْزَةٍ، أَيْ: ظَهَرَ، أَوْ بِهَمْزَةٍ، أَيِ: ابْتَدَأَ، وَالثَّانِي هُوَ الْأَشْهَرُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْمُقَابَلَةُ بِالْعَوْدِ فَإِنَّ الْعَوْدَ يُقَابَلُ

الصفحة 477