كتاب حاشية السندي على سنن ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

(وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ) أَيْ: مَقْهُورَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كُتِبَ لِلْعَبْدِ مِنَ الرِّزْقِ يَأْتِيهِ لَا مَحَالَةَ إِلَّا أَنَّهُ مَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ يَأْتِيهِ بِلَا تَعَبٍ وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا يَأْتِيهِ بِتَعَبٍ وَشِدَّةٍ، فَطَالِبُ الْآخِرَةِ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ جِمْعِ الْمَالِ الرَّاحَةَ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ حَصَلَتْ لِطَالِبِ الْآخِرَةِ وَطَالِبُ الدُّنْيَا قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا فِي التَّعَبِ الشَّدِيدِ فِي طَلَبِهَا فَأَيُّ فَائِدَةٍ لَهُ فِي الْمَالِ إِذَا فَاتَتِ الرَّاحَةُ، وَفِي الزَّوَائِدِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
4106 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ النَّصْرِيِّ عَنْ نَهْشَلٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ «سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ الْمَعَادِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيْ أَوْدِيَتِهِ) ضَمِيرُ أَوْدِيَتِهِ لِمَنْ وَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ تَعَالَى لَا يُعِينُهُ، وَفِي الزَّوَائِدِ الْحَدِيثُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ.
4107 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ قَالَ «يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي) أَيْ: كُنْ فَارِغًا عَنْ كُلُّ شَيْءٍ لِأَجَلِ الْعِبَادَةِ وَاصْرِفْ وَقْتَكَ كُلَّهُ فِيهَا (أَمْلَأْ) يَحْتَمِلُ الْجَزْمُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ وَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
[باب مَثَلُ الدُّنْيَا]
4108 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْمُسْتَوْرِدَ أَخَا بَنِي فِهْرٍ يَقُولُ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مَثَلُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَثَلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (فِي الْآخِرَةِ) أَيْ: فِي جَنْبِهَا وَبِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَأَنَّ هَذَا الْمَثَلَ مَثَلٌ لِلدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ النَّاسَ يَضْرِبُونَهُ مَثَلًا لَهَا هُنَاكَ وَهُوَ فَوْقَهُ مَثَلًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَعْرِفَتَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّنْيَا فِي الْقِلَّةِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْآخِرَةِ كَالَّذِي عَلَى الْإِصْبَعِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْبَحْرِ وَهَذَا الْحَدِيثُ شَرْحٌ وَتَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38] وَالْيَمُّ الْبَحْرُ ذَكَرَهُ

الصفحة 525