كتاب حاشية السندي على سنن ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

لَيْسَ لَهُ هِدَايَةٌ مِنْ ذَاتِهِ، بَلْ هِيَ مِنْ عِنَايَةِ رَبِّهِ وَلُطْفِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي حَدِيثَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» بِمَعْنَى أَنَّهُ يُولَدُ خَالِيًا عَنْ دَوَاعِي الضَّلَالَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ مُحْتَاجٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ أَحَدًا لَا يُغْنِي أَحَدًا شَيْئًا مِنْ دُونِهِ فَحَقُّهُ أَنْ يُتَبَتَّلَ إِلَيْهِ بِشَرَاشِرِهِ قَوْلُهُ: (بِأَنِّي جَوَادٌ) بَيَانٌ لِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَطَاؤُهُ الْكَلَامَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي خَزَائِنِهِ النُّقْصَانُ.
[باب ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ]
4258 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (هَاذِمُ اللَّذَّاتِ) قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: قَاطِعُهَا. قُلْتُ: وَيُحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُرَادُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْمَوْتُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا قَطْعًا، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنَ الْأَخْيَارِ تَكُونُ لَهُ وَصْلَةٌ إِلَى لَذَّاتِ الْآخِرَةِ أَيْضًا.
4259 - حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا قَالَ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) بِضَمَّتَيْنِ، أَيِ: الَّذِينَ يُحْسِنُونَ مُعَامَلَتَهُمْ مَعَ اللَّهِ وَمَعَ النَّاسِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ، وَفِي الزَّوَائِدِ فَرْوَةُ بْنُ قَيْسٍ مَجْهُولٌ وَكَذَا الرَّاوِي عَنْهُ وَخَبَرُهُ بَاطِلٌ قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي طَبَقَاتِ التَّهْذِيبِ.
4260 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (مَنْ دَانَ نَفْسَهُ) أَيْ: أَذَلَّهَا وَاسْتَعْبَدَهَا، وَقِيلَ: حَاسَبَهَا (مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا) أَيْ: جَعَلَ نَفْسَهُ تَابِعَةً لِهَوَاهَا يُعْطِيهَا كُلَّمَا تَهْوَى وَتَشْتَهِي (ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ) بِأَنَّهُ كَرِيمٌ غَفُورٌ رَحِيمٌ غَنِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ عَمَلِهِ فَلَا يُعَاقِبُهُ، بَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيُعْطِيهِ مَا يَشْتَهِي.

الصفحة 565