كتاب حاشية السندي على سنن ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

الدُّنْيَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ قَالَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ» وَقَالَ الْمَظْهَرِيُّ: أَرَادَ بَقَاءَهُ لَا أَنَّهُ يَبْلَى أَصْلًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَحْسُوسِ، وَقِيلَ: أَمْرُ الْعَجْبِ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ آخِرُ مَا يَخْلُقُ وَأَوَّلُ مَا يُخْلَقُ الْأَوَّلُ بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يَصِيرُ خَلْقًا وَالثَّانِي بِضَمِّهَا وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى يُبْقِيهِ إِلَى أَنْ يُرَكَّبَ الْخَلْقُ مِنْهُ تَارَةً أُخْرَى وَعَلَى مَا قَالَهُ الْمَظْهَرِيُّ أَنَّهُ يُبْقِيهِ أَوَّلًا لِيَخْلُقَ مِنْهُ تَارَةً أُخْرَى.
4267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ «كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ) أَيْ: فَهُوَ أَقْرَبُ شَيْءٍ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَأَيْضًا شِدَّتُهُ إِمَارَةٌ لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَا (مَنْظَرًا قَطُّ) أَيْ: فِي الدُّنْيَا (أَفْظَعُ) أَيْ: أَشَدُّ وَأَشْنَعُ وَحَيْثُ خَصَّنَا بِمَنْظَرِ الدُّنْيَا انْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ: فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ إِذَا عُمِّمَ بِأَنَّهُ أَفْظَعُ مِنْ جِهَةِ الْوَحْشَةِ وَالْوِحْدَةِ وَغَيْرُهُ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْهُ فَلَا إِشْكَالَ.
4268 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ يَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ فَيُجْلَسُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْعُوفٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ فِيمَ كُنْتَ فَيَقُولُ كُنْتُ فِي الْإِسْلَامِ فَيُقَالُ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَصَدَّقْنَاهُ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ فَيَقُولُ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللَّهَ فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ وَيُقَالُ لَهُ عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ وَعَلَيْهِ مُتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَيُجْلَسُ الرَّجُلُ السُّوءُ فِي قَبْرِهِ فَزِعًا مَشْعُوفًا فَيُقَالُ لَهُ فِيمَ كُنْتَ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي فَيُقَالُ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا فَقُلْتُهُ فَيُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْكَ ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ عَلَى الشَّكِّ كُنْتَ وَعَلَيْهِ مُتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: (فَيُجْلَسُ الرَّجُلُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلَسَ، أَوْ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ مِنْ جَلَسَ (وَلَا مَشْعُوفٍ) قَالَ السُّيُوطِيُّ: الشَّعَفُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ شِدَّةُ الْفَزَعِ حَتَّى يَذْهَبَ بِالْقَلْبِ (فِيمَ) أَيْ: فِي أَيْ دِينٍ (مَا هَذَا الرَّجُلُ) أَيِ: الرَّجُلُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْحُضُورُ وَتَرْكُ مَا يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ لِئَلَّا يَصِيرَ تَلْقِينًا وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ مَوْضِعَ الِاخْتِبَارِ (يُحَطِّمُ) يُكَسِّرُ (بَعْضُهَا بَعْضًا) مِنْ شِدَّةِ الْمُزَاحَمَةِ قَوْلُهُ: (عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ وَعَلَيْهِ. . . إِلَخْ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى الْيَقِينِ فِي الدُّنْيَا يَمُوتُ عَلَيْهِ عَادَةً وَكَذَا فِي جَانِبِ الشَّكِّ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) لِلتَّبَرُّكِ لَا لِلشَّكِّ

الصفحة 568