كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 2)

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون [356 ب/3] اللهم عندك أحتسب مصيبتي فاجرني عليها وأبدلني بها خيراً منها".
والندب: قول النسوة: وافلاناه واسيداه واجبلاه ونحو هذا من تعداد فضائل الميت على وجه التأسف عليه، والنياحة: هي كلمات منظومة تشبه الشعر.
وروي أن خالد بن الوليد لما أشرف على الموت ندبه بعض من حضره يقول: واكفهاه واجبلاه واسنداه، وكان يعشى عليه ويفيق فأفاق فقال: ما ندبتموني بش ئ إلا خوفت به، وقيل لي: أنت هكذا.
فإذا تقرر هذا، فقد ذكر الشافعي بعد هذا ما جاء في التشديد في البكاء على الميت، وروى حديث عمر أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"، وقال: "حسبكم القرآن"، وهذا إشارة إلى قصة وهو أنه لما طعن عمر رضي الله عنه خرج أمعاؤه في مواضع كان يغشى عليه ويفيق، فأقبل صهيب رضي الله عنه وهو يتأوى ويندبه فيقول: واجبلاه واكهفاه واسنداه وأميراه، فأفاق عمر فسمع صوته فقال له: أتبكي علي وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فسمع ابن عباس فحفظه فلما توفي عمر ومضى زمان فتوفي بعض آل عمر وكان عبد الله بن [357 أ/3] عم روابن عباس رضي الله عنهما جالسين على باب حجرة عائشة ينتظران تلك الجنازة، فلما أقبلوا بالجنازة كان النساء يبكين، فقال ابن عباس لابن عمر: هلا نهيتهن فإني سمعت أباك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فسمعت عائشة ذلك من وراء الستر فقالت: رحم الله عمر والله ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا وإنما قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه ثم قالت حسبكم القرآن قال الله تعالى: {ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أي: لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، ثم قال ابن عباس: عند ذلك تصديقاً لقول الله: {هُوَ أَضْحَكَ وأَبْكَى} [النجم: 43] أي ما ذنب الميت في بكاء أهله عليه. هذا شرح القصة مع أن الشافعي مال إلى ما قالت عائشة ورجح روايتها على رواية عمر.
قال: ما روت عائشة أشبه بدلالة الكتاب ثم السنة، ثم فسر دلالة الكتاب بما ذكرت عائشة من قول الله تعالى {ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وزاد عليها فقال: وقال تعالى: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15] وقال: {وأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى} [النجم: 39] ثم فسر دلالة السنة فقال قال النبي [357 ب/3]- صلى الله عليه وسلم - لرجل في ابنه "أما أنه لا يجني عليم ولا تجني عليه" وتمام هذا الخبر هو أن رجلين دخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أكبرهما سناً فقال: ما هذا منك؟ فقال: هذا ابني فقال: "أما أنه لا

الصفحة 600