كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

- فروي عن بضعةَ عشرَ من الصَّحابةِ، منهم عثمانُ وعليٌّ وعائشةُ وابنُ عمرَ، ويروى عن عُمَرَ أيضاً -رضي اللهُ تعالى عنهم-: أنه إذا مضتْ أربعةُ أشهر وُقِف المُؤْلي، فإما أن يَفيءَ، وإما أن يطلق.
وبهذا أخذَ مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ -رحمهم الله تعالى- (¬1).
- وروي عن ابنِ عباسٍ وابنِ مسعودٍ -رضي الله تعالى عنهم-: أن عزيمةَ الطلاقِ انقضاءُ أربعةِ أشهر. والفيئَةُ فيما بين أن يؤلي إلى انقضاء أربعة أشهر، فإن فاءَ، وإلاّ فعزيمة الطلاق انقضاءُ المدة.
وبهذا أخذَ أبو حنيفةَ -رحمه الله تعالى- (¬2)، وشَبَّهَ الإيلاءَ بالطَّلاقِ الرَّجْعيِّ، وشَبَّهَ هذه المُدَّةَ بمدَّة العِدَّةِ.
والقول الأولُ أشبَهُ بظاهرِ القرآنِ من أربعةِ أَوْجُهٍ:
أحدها: قال الشافعيُّ: في سياقِ الآيةِ ما يدلُّ على ما وصفتُ، وذلك لما ذكر اللهُ تعالى أن للمؤلي أربعةَ أَشْهُرٍ، ثم قال: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 - 227]، فذكر الحُكْمَيْنِ معاً بلا فَصْلٍ بينهما، فدلَّ على أنهما يَقعان بعدَ الأربعة الأشهر؛ لأنه إنما جعل عليه الفيئةَ والطلاقَ، وقد جُعِلَ له الخِيار فيهما في وقتٍ واحدٍ،
¬__________
(¬1) وهو قول أكثر أهل العلم. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (17/ 83)، و"معالم التنزيل" للبغوي (1/ 297)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 245)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (1/ 230)، و"حاشية الدسوقي" (2/ 683)، و"مغني المحتاج" للشربيني (5/ 25)، و"المغني" لابن قدامة (11/ 30).
(¬2) انظر: "الاختيار لتعليل المختار" للموصلي (2/ 200). وانظر من قال بذلك في: "الاستذكار" لابن عبد البر (17/ 89)، و"معالم التنزيل" للبغوي (1/ 297)، و"المغني" لابن قدامة (11/ 31)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 99/1).

الصفحة 10