كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

وإنما حملوا (أو) على غير حقيقتها؛ لأن الله سبحانه جعل تعليقَ الحكم على أحدهما؛ بخلافه هنا، فقال: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237].
* وقد دلت الآيةُ بطريقِ التضمُّنِ والالتزام على أن النكاحَ بغيرِ صَداقٍ جائز؛ لأنه لا يصحُّ الطلاقُ إلا من زوجٍ، ولا تجبُ المُتْعَةُ إلا لزوجةٍ، وهو إجماع (¬1)، إلا أنه يجب ألا يَخْلُوَ النكاح منه، فلم يكن ذلك إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، ولهذا اتفقوا -فيما أعلم- على (¬3) أنه لا يجوز التواطؤ على تركه في المستقبل (¬4)، ولم يخالف فيه إلا بعضُ أصحاب الشافعي، فقال: يصحُّ العقد، ويلغو الشرط، ويجب المهر (¬5).
ولأجل هذا المعنى ذهب الشافعيّ في أحد قوليه إلى أنه يجب بالعَقْدِ، والصحيح من قوليه أنه لا يجبُ إلا بالفرْضِ أو بالمَسيس (¬6)؛ لأنه لو كان
¬__________
(¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 180). وذكر ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 123): أن النكاح بغير صداق لم يتفق عليه العلماء. قال ابن قدامة في "المغني" (10/ 137): النكاح يصح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم.
(¬2) يعني: لا يجوز لأحد أن يتزوج بدون مهر إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (16/ 65)، و"روضة الطالبين" للنووي (7/ 9)، و"الخصائص الكبرى" للسيوطي (2/ 246).
(¬3) "على" ليست في "ب".
(¬4) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (3/ 965 - 966).
(¬5) وهو قول أبي إسحاق المروزي. انظر: "الحاوي" للماوردي (9/ 473).
(¬6) انظر: "الحاوي" للماوردي (9/ 483)، و"كفاية الأخيار" للحصني (ص: 339).

الصفحة 104