كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)
ولا يتقدمُ واحدٌ منهما صاحبَه، وقد ذُكِرا في وقتٍ واحدٍ؛ كما يقال في الرَّهْنِ: افدِهِ أو نبيعُه عليكَ، بلا فصلٍ، وفي كلِّ ما خُيِّرَ فيه عليه افعل كذا أو كذا، بلا فصلٍ، فلا يجوز أن يكونا ذُكِرا بلا فَصْلٍ، ويقال: الفَيْئَةُ فيما بين أن يؤلي إلى أربعة أشهر، وعزيمةُ الطلاقِ -أيضاً- انقضاءُ الأربعةِ الأشهرِ، فيكونانِ حكمين ذُكِرا معاً، يُفْسَحُ في أَحدهما، ويُضَيَّقُ في الآخر (¬1).
ولمخالفه أن يقول: لم يفسخ في أحدِهما ويُضَيَّقْ في الآخر، بل هو مخيَّرٌ بينهما في مدة الأربعة الأشهر، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق، ويتحقق التخيير بين الخصلتين عندَ انقضاءِ المدة، وجعلنا انقضاءَ المدةِ قائمًا مقام اللفظ (¬2) بالطلاق وقبل (¬3) انقضاءِ المدة إذا لم يبق بعدَ الأربعةِ الأَشْهُر زمانٌ يملك فيه الطلاق.
الوجه الثاني: أنَّ منْ أَنْظَرَهُ اللهُ تعالى أربعةَ أشهرٍ في شيءٍ، لم يكنْ عليهِ سبيلٌ حتَّى يمضيَ أربعةُ أشهرٍ، فإذا مَضَتْ، كان عليه السبيل، وهو إما أن يفيء، وإما أنْ يطلِّق؛ كما لو قال: أُخَلِّيكَ (¬4) أربعةَ أشهرٍ، لم يكنْ لهُ الأخذُ منكَ إلا حتى تنقضيَ الأربعةُ الأشهرِ (¬5).
فإن قيل: أنظرَ اللهُ سبحانه أربعةَ أشهرٍ في شيءٍ، وخَيَّرَهُ فيه إلى انقضائها، فأما أن يفيء، أو يلزم الفراقُ بانقضائها.
¬__________
(¬1) انظر: "الرسالة" للإمام الشافعي (ص: 581).
(¬2) في "ب": "التلفظ".
(¬3) في "أ ": "وقيل"، وهو خطأ.
(¬4) في مطبوعة "الرسالة" للإمام الشافعي: "أجَّلتك".
(¬5) هذا الوجه هو من كلام الإمام الشافعي في "الرسالة" (ص: 579)، وقد تصرف فيه المصنف قليلاً. وانظر: "أحكام القرآن" للشافعي (ص: 247).
الصفحة 11
505